الهجرة غير النظامية في موريتانيا: بين تشديد الرقابة الحدودية وتحديات الترحيل الدبلوماسية…بقلم: محمد اجيوالي

أصبحت موريتانيا في السنوات الأخيرة نقطة محورية في ملف الهجرة غير النظامية ليس فقط كمحطة عبور نحو أوروبا ولكن أيضًا كمستقر مؤقت للمهاجرين العالقين بين سياسات الإغلاق الإقليمية والتشديد الأمني الأوروبي، ومع تزايد أعداد المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء واجهت السلطات الموريتانية تحديًا متزايدًا دفعها إلى تبني سياسة أكثر صرامة في التعامل مع الظاهرة شملت هذه السياسة اعتقالات وترحيلات جماعية إلى بلدان المصدر.
غير أن هذه السياسات رغم كونها مشروعة من منظور الأمن القومي إلا أنها بدأت تثير تداعيات دبلوماسية خاصة مع دول الجوار الأفريقي مالي، السنغال، وغامبيا فمن جهة تصاعدت التوترات في ولاية “انيور” المالية بعد تعرض تجار موريتانيين لاعتداءات انتقامية من بعض المرحلين.
ومن جهة أخرى شهد السنغال مطالبات بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية وإرسالها إلى نواكشوط للنظر في مزاعم انتهاكات ذكرت بحق المهاجرين.
فهل يمكن أن تتحول هذه السياسات إلى أزمة دبلوماسية؟ وما تأثيراتها على العلاقات الإقليمية لموريتانيا؟ وكيف يمكن للحكومة أن توازن بين حماية أمنها القومي والحفاظ على استقرار علاقاتها مع دول الجوار؟
أولًا: موريتانيا تحت ضغط الجغرافيا – كيف تحولت إلى نقطة عبور رئيسية؟
1. تشديد الرقابة الإقليمية وانسداد المنافذ الأخرى
لعبت العوامل الإقليمية دورًا كبيرًا في زيادة أعداد المهاجرين في موريتانيا حيث أصبحت البلاد المنفذ الأخير أمام موجات الهجرة بعد أن أغلقت دول أخرى الأبواب أمامهم:
المغرب: شدد بشكل كبير إجراءات العبور إلى جزر الكناري مما دفع المهاجرين إلى البحث عن طرق بديلة عبر السواحل الموريتانية.
الجزائر وتونس: فرضتا رقابة حدودية صارمة، وأجرت الجزائر عدة عمليات طرد جماعية للمهاجرين إلى الصحراء مما جعل كثيرين منهم يفرّون نحو موريتانيا.
ليبيا: التي كانت في السابق الوجهة المفضلة للراغبين في عبور المتوسط أصبحت أقل أمانًا بسبب الفوضى الأمنية وسيطرة شبكات التهريب العنيفة.
أمام هذه المستجدات أصبحت موريتانيا الوجهة الوحيدة المتبقية سواء كمعبر إلى أوروبا أو كمحطة انتظار مؤقتة ريثما تسنح فرصة الهجرة وهو ما جعل البلاد تواجه موجة متزايدة من المهاجرين القادمين من دول مثل السنغال غامبيا مالي غينيا وساحل العاج.
2. التركيبة السكانية الجديدة – هل تؤثر الهجرة على النسيج الاجتماعي؟
رغم أن المهاجرين في الغالب يعبرون موريتانيا ولا يستقرون فيها إلا أن ارتفاع أعدادهم أدى إلى تغييرات ملموسة في بعض المدن خاصة:
نواكشوط ونواذيبو: حيث أصبحت أحياء بكاملها تعج بالمهاجرين غير النظاميين ما زاد الضغط على الخدمات الأساسية.
ولايات الحوضين وكوركول وگيديماغه: شهدت هذه المناطق تدفق أعداد كبيرة من الماليين خاصة بعد تصاعد التوترات الأمنية في شمال مالي.
وقد بدأ هذا الوضع يثير مخاوف أمنية واقتصادية خاصة مع ازدياد البطالة بين الشباب الموريتاني، وتصاعد المخاوف من تحول بعض شبكات تهريب البشر إلى تنظيمات أكثر تعقيدًا، مما قد يهدد الاستقرار الداخلي.
ثانيًا: الترحيل بين الضرورة الأمنية والأزمة الدبلوماسية
1. كيف أدت عمليات الترحيل إلى توترات مع دول الجوار؟
مع تصاعد الضغوط، تبنت الحكومة الموريتانية سياسة أمنية مشددة شملت:
مداهمات أمنية في المدن الكبرى لتوقيف المهاجرين غير النظاميين.
ترحيل جماعي لمئات المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، خاصة نحو مالي السنغال وغامبيا.
غير أن هذه الإجراءات بدأت تثير تداعيات غير متوقعة:
أ. الأزمة مع مالي – بين الترحيل والتوترات الحدودية
بعد ترحيل أعداد كبيرة من الماليين نحو ولاية “انيور”، اندلعت مواجهات بين بعض المرحلين والتجار الموريتانيين.
تعرض عدد من التجار الموريتانيين في المنطقة لاعتداءات انتقامية ما دفع بعضهم إلى المطالبة بتدخل السلطات.
هذه التطورات أثارت مخاوف من أن تؤدي التوترات إلى ردود فعل متبادلة قد تؤثر على التعاون الأمني بين البلدين.
ب. السنغال وغامبيا – من الاحتجاجات إلى الضغط الدبلوماسي
في السنغال، تصاعد الجدل بعد تداول صور ومقاطع فيديو تظهر عمليات ترحيل جماعية، مما دفع بعض البرلمانيين للمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية وإرسالها إلى نواكشوط للوقوف على الإجراءات المتخذة من قبل السلطات الموريتانية ضد المهاجرين.
في غامبيا خرجت احتجاجات في بعض المناطق تندد بترحيل مواطنيها وسط اتهامات لموريتانيا بفرض “حاجز أمني” أمام المهاجرين القادمين من غرب إفريقيا
ثالثًا: التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للترحيل
1. التأثير على التجارة والعلاقات الاقتصادية
تلعب العلاقات الاقتصادية بين موريتانيا ودول الجوار، خاصة مالي والسنغال، دورًا حيويًا في استقرار المنطقة. ومع تصاعد سياسة الترحيل بدأت تظهر بوادر تأثيرات اقتصادية سلبية:
تراجع النشاط التجاري الحدودي: يعتمد العديد من التجار الموريتانيين على الأسواق الحدودية مع مالي والسنغال، وترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين قد يؤدي إلى توترات تجارية.
إمكانية فرض قيود متبادلة: قد تلجأ بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات انتقامية مثل فرض ضرائب إضافية على السلع الموريتانية أو تقليص التعاون التجاري.
تأثر قطاع العمالة: يعتمد الاقتصاد الموريتاني خاصة في مجالات الزراعة والصيد والبناء على العمالة القادمة من دول الجوار، وقد يؤدي الترحيل الجماعي إلى نقص في العمالة الرخيصة.
2. تداعيات اجتماعية – هل يؤدي الترحيل إلى تصاعد العنصرية؟
بدأت بعض الخطابات في موريتانيا تتجه نحو تحميل المهاجرين مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مما يثير مخاوف من تصاعد التوترات بين السكان المحليين والجاليات الأجنبية.
في بعض المدن، بدأ السكان يشتكون من ازدياد أعداد المهاجرين في الأحياء الفقيرة مما يسبب ضغطًا على الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم.
على وسائل التواصل الاجتماعي،انتشرت خطابات تتحدث عن “أزمة المهاجرين”، وهو ما قد يفاقم التوترات الاجتماعية ويؤدي إلى ردود فعل أكثر تشددًا من قبل السلطات.
رابعًا: كيف يمكن لموريتانيا تجنب الأزمة الدبلوماسية؟
1. تعزيز الدبلوماسية مع دول الجوار
عقد اتفاقيات ثنائية لتنظيم الهجرة بشكل أكثر إنسانية بدلًا من اللجوء إلى الترحيل الجماعي.
التنسيق الأمني مع مالي والسنغال وغامبيا لضمان عدم تحول المرحلين إلى عبء على هذه الدول.
إشراك المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) في وضع سياسات إقليمية لمعالجة الظاهرة.
2. ضمان احترام المعايير الحقوقية في عمليات الترحيل
ضرورة تحسين ظروف الترحيل والتأكد من عدم انتهاك حقوق المرحلين.
إشراك منظمات حقوق الإنسان في مراقبة العملية لتجنب الانتقادات الدولية.
توفير خيارات للعودة الطوعية بدلًا من إجبار المهاجرين على المغادرة القسرية.
3. إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي
يجب على موريتانيا ألا تتحمل وحدها عبء مراقبة الهجرة بل ينبغي أن تطالب بدعم اقتصادي وتنموي أكبر من أوروبا.
التفاوض على تمويل برامج تنموية تساعد في خلق فرص عمل للمهاجرين في بلدانهم الأصلية، مما يقلل من رغبتهم في الهجرة.
ختاماً: هل تتحول قضية الهجرة إلى أزمة دبلوماسية؟
مع استمرار عمليات الترحيل تزداد الضغوط على موريتانيا من دول الجوار ومع تصاعد الأحداث في ولاية “انيور” المالية والاحتجاجات في السنغال وغامبيا، يبدو أن هناك احتمالًا حقيقيًا لحدوث توترات دبلوماسية إذا لم تتم إدارة الملف بحكمة.
التعامل مع ملف الهجرة يجب ألا يكون مجرد حل أمني قصير المدى بل يحتاج إلى رؤية استراتيجية شاملة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية.
فبينما تسعى موريتانيا لحماية حدودها وتعزيز أمنها القومي، عليها أيضًا أن تتجنب الدخول في مواجهة مع جيرانها قد تكون تكلفتها أكبر بكثير من التحديات التي تحاول مواجهتها اليوم