آراء

مواقف لاتنسى في موريتانيا(ح3) الفنان السوري فريد حسن

مواقف لاتنسى في موريتانيا
الرجال مواقف :
الشخصية الثالثة :
الحسن ولد مولاي علي :
كان مديراً للبرامج العربية في إذاعة نواكشوط عندما وصلت إلى نواكشوط !
بعد أيام من تعرفي على البيضاوي ذهبنا سوياً للقاءٍ لم يُخَطِطْ له البيضاوي وحتماً أنا أيضاً, حيث أنني لم أكن أعرف أحداً في موريتانيا بعد ,
ذهبنا دون أن نحدد إلى من نحن ذاهبين , لم تكن الإذاعة واسعة كما هي الآن , تدخل من الباب الرئيسي بعد الفسحة الخارجية ليصادفك مدخل البناء المغلق , ثم ممر على اليمين حيث مكتب المدير العام ومعاونه , وممر على اليسار فيه غرفة المذيعين وغرفة معاون مدير البرامج , والتي يقابلها غرفة مدير برامج الغناء الشعبي محمدن ولد سيدي إبراهيم , وبجانبها غرفة مدير البرامج الفرنسية , وفي اليمين مقابل غرفة المدير العام هناك استوديوهان للأخبار وآخر للموسيقى , وفي اليسار غرفة للأرشيف يديرها صديقي مولاي الزين الذي كنت أتردد إلى مكتبه نتسامر كي لا أتسبب بإشغال الناس الآخرين عن عملهم ؟
نعم دخلنا إلى غرفة مدير البرامج العربية وحتى أكون صادقاً , فإني لا أتذكر كيف اخترنا أو اختار البيضاوي ذلك , أم أنها كانت الصدفة , سلَّمْنا على الرجل ورد السلام ودعانا للجلوس , قام البيضاوي بتعريفه عليّ : أني مدرس سوري للتربية وعلم النفس في تكوين المعلمين , وأنني إضافة لذلك كنت ملحناً في إذاعة حلب ولي عشرة ألحان فيها , سأل الرجل وكيف يمكنني مساعدتكم ؟ قلت له : إن موريتانيا الناشئة تحتاج تطويراً في جميع جوانب الحياة ومنها الموسيقى التي لديّ خبرة سابقة وإبداع فيها , أجابني يا أستاذ أنا أرحب بك لكننا هنا في موريتانيا ليس لدينا الإمكانات المادية الكافية كي ندفع كما تفعل الدول الأخرى !
قلت له: أنا لا أريد منكم مالاً , لأن واجبي أن أساهم في بناء هذا الجزء الناشئ من الوطن العربي !
, قال الرجل إذاً ماهو المطلوب منا كإذاعة ؟
قلت له : فقط عدم عرقلة الأمور بقرارات بيروقراطية في موضوع التسجيل .
قال اتفقنا !
وكانت أول تجربة بعد عدة أيام عندما جئت منتظراً قدوم المرحومة ديمي لنسجل سوياً كرسك ياغلانه , التي حضر تسجيلها الفنيون وعدد من المذيعين , فسَرَقَتْ أَلْبابَ وقلوب الحاضرين وهم يستمعون إلينا نغنيها في الاستوديو وهم يسمعوننا من غرفة الهندسة , فيتقدم أحد مقدمي البرامج الأدبية ويسألنا أن يذيع الأغنية في برنامجه الذي سيُبَثُ الليلة , طبعاً لم نمانع , فأخذ نسخة عن الشريط وذهب , ودَّعَنا المذيعون والإداريون في الإذاعة , وكلهم لا يعرف كيف يعبر عن فرحه وإعجابه بهذه الأغنية, والتي كانت فرقتها الموسيقية المرافقة متواضعة فهي عودي والعلبة المعدنية للشريط الإذاعي والتي عليها ضبطت المرحومة ديمي إيقاع الأغنية بدلاً من الطبل أو الدُفْ أو الطبلة , فَعَلَتْ ذلك رحمها الله ارتجالاً وتلقائيةً , دون أن أطلب أنا منها أو نتفق مسبقاً على ذلك , في كل يومٍ , بل في كل ساعةٍ كنت أجد في هذه الأيقونة شيئاً جديداً يؤكد لي عبقريتها الفنية ؟
في يوم الأحد الذي كان بعد يومين من تسجيلنا للأغنية – كان هو موعد إذاعة برنامج طلبات المستمعين الذي كان يذاع يوم الأحد على تمام الساعة الواحدة ظهراً , وكان الأحد هو يوم العطلة الأسبوعية في موريتانيا وقتئذ , وكم كانت مفاجأة رائعة بالنسبة لي عندما أخبر مقدم البرنامج المستمعين ونبههم عدة مرات خلال إذاعة طلبات الأغاني, بأن هناك مفاجأة في نهاية البرنامج , حيث ذكر المذيع أن الأغنية هي من غناء ديمي والأستاذ السوري فريد حسن . وهي من تلحينه وعزفه – وبدأت الطلبات تتكرر وتنهال أسبوعياً , وباسم الأستاذ السوري وديمي – بدأ بائعو الأشرطة يسجلون الأغنية عدة مرات ليمتلئ الشريط منها وليبيعوا الشريط بخمسمائة أوقية , بل باعه البعض بألف أوقية ) ما يعادل (20) دولاراً يومئذٍ , علماً أن كل الأشرطة الأخرى كانت تباع بمائتي أوقية فقط !
في ضحى يوم قريب حيث كنت أمرُّ كل يوم بعد انتهائي من درسين أوثلاثة كنت ألقيها في مدرسة تكوين المعلمين التي لا يفصلها عن الإذاعة إلا الثانوية الوطنية ( ليسيه ) ودقيقتين من الزمن سيراً على الأقدام !
كنت في أغلب الأيام لا أتجاوز الإذاعة بل أدخلها لأسلم على الأصدقاء لان الجميع صاروا أصدقائي , أساعدهم في البرامج التاريخية والفنية والثقافية بشكل عام , ويساعدوني في تساؤلاتي عن موريتانيا وعن الغناء الموريتاني والكيفان الحسانية وعن الفنانين وما يتعلق بحياتهم الاجتماعية والفنية !
أقول في ضحى يوم قريب وأنا عائد من المعهد بينما أنا أتحدث إلى الأصدقاء في بهو الإذاعة ,
إذ بالحسن يناديني إلى غرفته , ويُخْرِج من درج الطاولة ورقتين شفافتين من ورق الآلة الكاتبة اليدوية التي كانت الدوائر الحكومية تستخدمها وقتئذٍ , بينما الجهات الوزارية والسفارات كانت تستخدم الآلة الناسخة بواسطة ورق الحرير والحبر, كي تطبع أعداداً كبيرة من الورق بدلاً من الفوتوكوبي التي ظهرت في أواخر القرن الماضي .
إذاً أخرج الأستاذ الحسن ولد مولاي علي, ورقتين وترك في الدرج نسختهما الأصلية , الورقتان كان على كل منهما قد كتب عليها نشيد : – الأول منهما كان نشيد كتائب موريتان ,
– والثاني كان أفريقيين وعرب لتنين , وكلاهما من كلمات المرحوم محمدن ولد سيدي إبراهيم , وقال : نريد منك تلحين هذين النشيدين لأنهما سيغنيان في لقاء الجمهور القادم والذي كان يفصلنا عنه خمسة وعشرون يوماً , قلت له جيد : لكن أريد فرقة تردد النشيدين معي فقال نعم وهو يكتب على ورقة بيضاء , وأضفت أريد آلات موسيقية كالطبل والبوق , وأريد منهم أن يتدربوا معي في البيت عدة مرات في الأسبوع .
في اليوم التالي كان قد دعا الحسن كلاً من الفنان سدوم ولد إيده , والفنانة المرحومة المحجوبة بنت الميداح وابنتيها تكيبر ومنت ابن , ومعهم عازف على المزمار الذي سيستبدله يوم الحفلة بالترومبيت وهو ( آلة موسيقية نحاسية ) وذهبنا عدة أيام إلى داري التي استلمتها من الوزارة بدلاً من الفندق مع فرش جيد وكانت داري تقع في حي( ب – م – د) رقم البيت (42)
التتمة السبت القادم – بإذن الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى