آراء

وجهة نظر (1) في : الفوضى الهدامة التي خلقتها وسائل التواصل ووسائل الاتصال والأقنية الفضائية في كل مجالات الحياة

مع وجود كم هائل من التراكمات في العلوم والمعارف والمعلومات التي لم تعد هناك جهة بل جهات كثيرة يمكن لها أن تغطيها جميعها ؟
فلا الأسرة – ولا المدرسة بكل مراحلها – ولا المعاهد والجامعات – ولا الجهات الحكومية الأخرى من وسائل إعلام – ووسائل توعية ثقافية – ولا منظمات المجتمع المدني من أندية ونقابات واتحادات – ولا الجهات الدينية من مساجد أو كنائس أو معابد :
كل هذه الجهات المذكورة آنفاً لم تعد كافية لسد حاجة الفرد إلى اللحاق بالتسارع المعرفي الذي تراكمت فيه كميات هائلة من المعرفة التي خلقت استحالة عند الأفراد أن يلموا بجزء يسير من معارف العصر :
فالأسرة قدمت لطفلها : اللغة الدارجة – وكثيرا من العادات والتقاليد – وبعض المعلومات الدينية – والقيم الأخلاقية – والقليل من المعلومات الصحية – والمعارف عن كيفية التعامل مع كل ما حوله من أدوات وأجهزة وألبسة وأطعمة !
ثم تأتي المدرسة بكل مراحلها لتقدم للطفل ثم المراهق ما يحتاج إليه من معلومات ومعارف تؤهله للتعامل مع المراحل القادمة من معاهد أو جامعات أو عمل مهني أو زراعي أو صناعي أو وظيفي : وذلك عن طريق تقديم علوم اللغات والمواد العلمية في الرياضيات والعلوم الفيزيائية والعلوم الدينية والاجتماعية والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد ؟
وتكمل المعاهد و الجامعات المهمة لتكون متخصصة في بناء الفرد في مجال محدد ( طب – هندسة – علوم – فنون – اجتماع – فلسفة – الشريعة – اللغات – المعلوماتية – السياسة – الإعلام – الاقتصاد -التجارة -…الخ )؟
وتساهم منظمات المجتمع المدني والحكومي والمشتركة من نوادي ومنظمات شبابية – واتحادات ونقابات – وأحزاب – ومؤسسات دينية كالمساجد والكنائس ودور العبادة في غرس قيم المجتمع وعاداته وتقاليده !
هذا ما كان حاصلا قبل عقود :
حيث كان الإنسان يتلقى معرفته من مصادر محدودة ومتفق عليها إلى حد كبير: الأسرة، المدرسة، المؤسسات الدينية، والمجتمع المحلي. هذه الجهات كانت تُكوَّن منظومته الفكرية والقيمية على نحو متجانس، حتى لو اختلفت التفاصيل من مكان إلى آخر.
لكن مع ظهور القنوات الفضائية، ثم الانفجار الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي، تغيّر المشهد بالكامل. لم يعد الإنسان يتلقى من مصدر واحد، بل من مئات المصادر المتناقضة، بل والمتصارعة أحيانًا. وهكذا وجد الإنسان نفسه أمام بحر من المعلومات، نصفه مشكوك فيه، ونصفه الآخر موجه؟
فلم تعد الحقيقة واضحة، ولم يعد الفرد يعرف أي الروايات يصدق: هل يصدق ما تربّى عليه ؟ أم ما تروّج له المنصات الرقمية؟ أهي الحكومات؟ أم المؤثرون؟ أهي النصوص الدينية؟ أم اجتهادات المعلقين على الإنترنت؟ في هذه الفوضى، تتفكك المرجعيات، وتصبح الهوية هشّة، وتتشظى الثقة بين الأفراد ومجتمعاتهم.
و دخلت القنوات الفضائية ووسائل التواصل على الخط.
و تناقضت المرجعيات
الأسرة والمجتمع مقابل الإعلام الحديث.
المؤسسات الدينية والتعليمية مقابل ما يُنشر إلكترونيًا.
وصار الفرد يعيش في منطقة رمادية بين القيم والمعلومات المتضاربة.
وهذا كان له كثير من التأثيرات على الإنسان :
1-تأثيرات نفسية: القلق، الارتباك، فقدان الثقة.
2-تأثيرات معرفية: صعوبة التمييز بين الصواب والخطأ.
3-تأثيرات اجتماعية: خلافات بين الأجيال، تفكك داخل العائلة.
وإليك مثال على نماذج واقعية : شاب يتعلم شيئًا في المسجد، ويقرأ العكس تمامًا على فيس بوك أو تويتر أو يوتيوب.
كيف يمكن لمنشور أو مقطع فيديو أن يهدم بناءًا فكريًا دام سنوات.
وما يمكن أن تقوم به المدارس : من توازن معرفي ممكن
لأهمية التفكير النقدي الذي يمكنه من التمييز بين المفيد والمضِّر .
دور الأسرة في بناء مقاومة معرفية مرنة :
وكيف يمكن للمؤسسات الدينية والتعليمية : أن تتطوّر لتواكب العصر دون أن تتنازل عن جوهرها.
سؤال مفتوح يطرح نفسه : هل نعيش زمن ما بعد الحقيقة؟
ما الذي يمكن فعله كي لا نغرق أكثر في هذه الفوضى؟
سنجيب على ذلك في القصاصة القادمة بإذن الله
– دمتم لفنانكم الباحث في التربية وعلم النفس
– فريد حسن –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى