افتتاحية: سقف الدولة.. وسقف المعارضة…بقلم /أحمد العالم

شكراً لوزير الداخلية، شكراً لرجال الأمن البواسل، لأنهم ليسوا مجرد حراس للمؤسسات، بل صمّام أمان يحول دون انزلاقنا إلى معادلة عبثية لا معنى لها: “دولة داخل دولة”.
لكن النقاش الأعمق لا يقف عند حدود شكر السلطة التنفيذية وأذرعها الأمنية، بل يتجاوز ذلك إلى سؤال جوهري: ما معنى أن تكون هناك معارضة في دولة مثل موريتانيا؟ وأي معارضة نريد؟
الدستور الموريتاني ليس ورقة ممهورة بتوقيع المؤسسين، بل هو عقد اجتماعي وسياسي، هو الوعاء الذي اجتمع الشعب بمختلف مكوناته على حمايته، لأنه يضمن الحقوق ويؤسس للواجبات، ويحفظ للدولة هيبتها. كل خطاب أو ممارسة سياسية تتجاوزه إنما تعلن القطيعة مع روح الدولة، وتتحول من معارضة سياسية إلى تمرّد اجتماعي.
الثوابت الوطنية ــ وحدة التراب، السلم الأهلي، الخيار الديمقراطي ــ ليست مواضيعاً للتجاذب ولا أوراقاً على طاولة المساومات. إنها القواعد الصلبة التي يقف عليها البيت الموريتاني، وكل محاولة لضربها إنما تهدف إلى هدم البيت على رؤوس ساكنيه.
المعارضة الحقيقية هي التي تخوض معاركها تحت سقف الدستور، فتنتقد السياسات الخاطئة، وتكشف مكامن الفساد، وتحاسب الحكومات المتعاقبة على أخطائها. أما المعارضة التي ترفع شعارات بلا أفق، أو تتغذى على أجندات خارجية، أو تظن أن سقفها “السماء”، فإنها لا تمثل صوت الإصلاح بل صوت الفوضى.
من يريد تغيير الدستور فليتقدم عبر آلياته الدستورية. ومن يريد إسقاط حكومة فليذهب إلى صناديق الاقتراع. أما من يتجاوز الدستور ويقفز فوق الثوابت الوطنية، فقد خرج من المشروع الوطني ولم يعد سوى لاعب خارج الملعب.
موريتانيا اليوم بحاجة إلى معارضة مسؤولة، تعطي النموذج لا الشعارات، وتبني على ما هو مشترك لا على ما يفرّق. الأغلبية الصامتة في هذا البلد تعرف جيداً أن خارج الدستور لا يوجد إلا الفوضى، والفوضى ليست بديلاً عن الدولة بل نقيضها.