آراء

العالم يسير بخطى ثابتة نحو الهاوية… بقلم أحمد العالم

 قراءة عميقة في المشهد الدولي الراهن 

مقدمة: السقوط ليس لحظة، بل مسار

حين نتأمل مشهد العالم في 2025، لا نرى أزمة واحدة أو أزمة عابرة، بل سلسلة من الانهيارات المتداخلة والمتزامنة في السياسة، والاقتصاد، والمجتمع، والبيئة. وكأن البشرية قررت – بوعي أو بدونه – أن تسير بخطى ثابتة نحو حتفها. ما نراه اليوم ليس مجرد اضطرابات متفرقة، بل علامات على مسار عالمي خطير يُعاد فيه تعريف الاستقرار، وتتآكل فيه القيم التي قامت عليها الحضارة الحديثة.

أولاً: تآكل الثقة السياسية وعودة القومية المتوحشة

عالم ما بعد الحرب الباردة كان يفترض أنه يسير نحو ديمقراطية أكثر شمولًا وتعاونًا عالميًا أعمق. لكن الحقيقة أنه بعد ثلاثة عقود، عادت النزعة القومية الشعبوية بقوة. من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية، ومن آسيا إلى الشرق الأوسط، تتقدم أنظمة الحكم الاستبدادي تحت لافتات وطنية زائفة، وتُقاد الشعوب بأساليب التخويف والانغلاق بدلًا من الأمل والانفتاح.

فشل المنظمات الدولية، على رأسها الأمم المتحدة، في احتواء الحروب (غزة، السودان، أوكرانيا) يعكس عجز النظام العالمي عن تنظيم ذاته، فضلًا عن حماية القيم التي تأسس عليها. نحن نعيش زمن “تفكك النظام العالمي” لا إعادة تشكيله.

ثانيًا: انهيار المنظومة الاقتصادية العالمية في صمت

الرأسمالية المتوحشة التي بُني عليها النظام الاقتصادي العالمي لم تعد مستدامة. الفجوة بين الأغنياء والفقراء بلغت مستويات تاريخية. أكثر من 1٪ من سكان العالم يسيطرون على أكثر من 50٪ من ثرواته، بينما يعيش أكثر من نصف سكان الأرض في دوائر الفقر والهشاشة.

الديون السيادية تنهك الدول. البنوك المركزية في حالة إنعاش دائم لأسواق ميتة. الاقتصادات الناشئة – وخصوصًا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية – تُستخدم كمختبرات لتجارب صندوق النقد الدولي، بينما لا تتغير الأوضاع إلا للأسوأ. أما التكنولوجيا، بدل أن تكون أداة تحرر اقتصادي، فقد تحولت إلى وسيلة احتكار وهيمنة رقمية بيد حفنة من الشركات العابرة للحدود.

ثالثًا: أزمة المجتمع وقيم الحداثة

انفصال الإنسان عن محيطه المجتمعي – بسبب الفردانية، والعزلة الرقمية، وتآكل الروابط التقليدية – أنتج أجيالًا ضائعة بلا انتماء حقيقي، لا للمكان ولا للتاريخ. الأسرة تتفكك، التعليم يتحول إلى سلعة، الدين يُستغل لأهداف سياسية، والنقاش العام يخضع للسطحية والشعبوية.

والمفارقة الكبرى أن الإنسان اليوم محاط بكل وسائل الاتصال، لكنه أشد وحدة من أي وقت مضى. نعيش وفرة معرفية مصحوبة بفقر في الحكمة.

رابعًا: الكوكب يختنق… والإنسان في سبات

الاحتباس الحراري، ذوبان الجليد، التصحر، ندرة المياه، وانقراض الأنواع ليست نبوءات بيئية، بل وقائع يومية. والرد العالمي؟ مؤتمرات بيئية تنتهي بتوصيات غير مُلزِمة، وصراعات جيوسياسية على الطاقة والمعادن النادرة، وتواطؤ دولي من كبار الملوثين.

الاقتصاد الأخضر تحول إلى شعار تسويقي بدلًا من أن يكون تحولًا بنيويًا. والأجيال القادمة تُرهن مستقبلها لمصالح لوبيات النفط والسلاح والتكنولوجيا.

خامسًا: أين النخب؟ أين القرار؟

في هذا المشهد المظلم، تغيب النخب الفكرية الحقيقية، وتحضر نخب الترفيه والتسويق. القرار العالمي يُصنع خلف الكواليس، بعيدًا عن الشعوب، وتحكمه حسابات اقتصادية أكثر من المبادئ. الأمم تُدار كمؤسسات ربحية، والشعوب تتعامل كزبائن لا كمواطنين.

هل انتهى التاريخ؟ أم بدأ الانهيار؟

لسنا بحاجة إلى حرب عالمية ثالثة لنشهد نهاية النظام الدولي، فالانهيار يحدث الآن، بهدوء، في العقول، في القيم، وفي المؤسسات. العالم لا يسير نحو الهاوية بسرعة، بل بخطى ثابتة، وبتواطؤ جماعي بين من يملكون السلطة ومن يرفضون المساءلة.

لكن مع كل ذلك، لا يزال هناك أمل، شرط أن تتحرك النخب الفكرية والسياسية والاقتصادية لصياغة مشروع عالمي بديل، لا يقوم على الهيمنة، بل على العدالة والاستدامة والكرامة الإنسانية.

فهل نملك الشجاعة لنعترف أننا على الحافة؟ وهل نملك الإرادة لنتراجع قبل السقوط؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى