الأخبار الدولية

رَابِطَةِ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ : تَوْضِيحٍ وَنَصِيحَةٍ رَدًّا عَلَى فَضِيلَةِ الشَّيْخِ الدَّدَوْ

(( بَيَانُ تَوْضِيحٍ وَنَصِيحَةٍ مِن رَابِطَةِ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ، رَدًّا عَلَى مَا جَاءَ عَلَى لِسَانِ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ الْحَسَنِ وَلَدِ الدَّدَوْ، بِشَأْنِ مَزَاعِمِ عَدَمِ كِتَابَةِ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دُسْتُورًا لِلْأُمَّةِ)) .
الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، وَجَعَلَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، المُبَلِّغَ عَنْ رَبِّهِ، النَّاصِحَ لِأُمَّتِهِ، القَائِلَ: «لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى البَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ».
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ؛
فَقَدْ تَابَعَت رَابِطَةُ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ مَا جَاءَ فِي سِيَاقِ كَلَامٍ طَوِيلٍ لِفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ الْحَسَنِ وَلَدِ الدَّدَوْ –حَفِظَهُ اللهُ– فِيمَا مَعْنَاهُ:

«أَنَّ هذِهِ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ نُكِبَتْ نَكَبَاتٍ حَرَفَتْهَا عَنْ مَدَارِهَا… النَّكْبَةُ الأُولَى كَانَتْ وَفَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالوَحْيُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ تَتَابُعًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْجِ قُوَّتِهِ وَنَشَاطِهِ، لَيْسَ فِي وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبْ لَنَا دُسْتُورًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا طَرِيقَةَ اخْتِيَارِ الحَاكِمِ، وَمُحَاسَبَتِهِ وَعَزْلِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَنَا حَاكِمًا مُعَيَّنًا…»،
إلَى قَوْلِهِ:
«بِأَنَّ الخُلَفَاءَ أَوْجَدُوا لَنَا نِظَامًا هُوَ أَفْضَلُ النُّظُمِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ».
وَمَعَ تَقْدِيرِنَا لِمَكَانَةِ الشَّيْخِ الدَّدَوْ –فَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ البَارِزِينَ، وَلَهُ فَضْلٌ فِي العِلْمِ وَالدَّعْوَةِ وَالاحْتِسَابِ، وَنَحْسَبُهُ عَلَى خَيْرٍ، وَلَا نُزَكِّيهِ عَلَى اللهِ–، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مَعْصُومًا بَعْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَإِنَّمَا الحَقُّ يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ، لَا بِالرِّجَالِ، وَمَا خَالَفَ النُّصُوصَ المُحْكَمَةَ أَوْ أُصُولَ الِاعْتِقَادِ وَجَبَ رَدُّهُ، وَإِنْ صَدَرَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ وَأَوْرَعِهِمْ.
وَعَلَيْهِ؛ وَجَبَ التَّوْضِيحُ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

أوّلًا:
لَا رَيْبَ أَنَّ وَفَاةَ النَّبِيِّ ﷺ كَانَتْ أَمْرًا عَظِيمًا، وَلَمْ تَكُنْ سَهْلَةً عَلَى النُّفُوسِ، لِمَكَانَتِهِ وَعَظَمَتِهِ ﷺ مِن وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهَا، لَكِنَّ الزَّعْمَ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَاتَ وَلَمْ يَضَعْ دُسْتُورًا لِلْأُمَّةِ، يُبَيِّنُ أُصُولَ الحُكْمِ وَمُوَجِّهَاتِهِ وَمَعَالِمَهُ وَمَبَادِئَهُ، وَطَرِيقَةَ اخْتِيَارِ الحَاكِمِ، قَوْلٌ مَرْدُودٌ شَرْعًا وَعَقْلًا وَتَارِيخًا، وَهُوَ قَوْلٌ خَطِيرٌ، يُعَزِّزُ مَزَاعِمَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُودِ أَزْمَةٍ دُسْتُورِيَّةٍ مُبَكِّرَةٍ.
فَالنُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ (مِنَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ) قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولِ الحُكْمِ وَمُقَوِّمَاتِ الدَّوْلَةِ، كَمُوَجِّهَاتٍ رَئِيسِيَّةٍ وَمَبَادِئَ عَامَّةٍ، مِثْلَ: العَدْلِ، وَالشُّورَى، وَالبَيْعَةِ، وَالطَّاعَةِ بِالمَعْرُوفِ، وَمُحَاسَبَةِ وَلِيِّ الأَمْرِ، وَإِقَامَةِ الحُدُودِ، وَحِفْظِ الحُقُوقِ لِلرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ، وَمُنَاصَحَةِ وُلَاةِ الأُمُورِ، وَبَيَانِ حُدُودِ طَاعَتِهِمْ، وَمَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ.
وَكُلُّ هَذِهِ مَرْجِعِيَّاتٌ وَمَبَادِئُ دُسْتُورِيَّةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي نُصُوصِ الوَحْيِ، وَمَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ ﷺ إِنَّمَا هُوَ كَثِيرٌ مِن تَفَاصِيلِ الآلِيَّاتِ وَالإِجْرَاءَاتِ، لِتَبْقَى الأُمَّةُ قَادِرَةً عَلَى الِاجْتِهَادِ فِيمَا يُحَقِّقُ مَقَاصِدَ الشَّرْعِ.
وَيَجِبُ التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ النِّظَامَ السِّيَاسِيَّ الإِسْلَامِيَّ فِيهِ: مَقَاصِدُ، وَقِيَمٌ، وَأَحْكَامٌ، وَآلِيَّاتٌ، وَلَيْسَ فَقَطْ قَضَايَا وَمَبَادِئَ كُلِّيَّةً، وَكَثِيرٌ مِنْهَا مَبْثُوثٌ فِي مُتَفَرِّقَاتِ النُّصُوصِ.
فَالعَدْلُ –مَثَلًا– كَقِيمَةٍ، لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِمَنْظُومَةِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ القِيَمِ، وَلِذَا ذَكَرَ بَعْضُ عُلَمَاءِ المَقَاصِدِ: إِنَّ كُلَّ حُكْمٍ فِي الشَّرِيعَةِ يَتَضَمَّنُ مَقْصِدَهُ، وَكُلَّ مَقْصِدٍ مُضَمَّنٌ فِي أَحْكَامِهِ.
وَهُنَاكَ مَسَاحَاتٌ أُخْرَى يُتَحَقَّقُ فِيهَا العَدْلُ بِالأَقْيِسَةِ، وَالِاجْتِهَادَاتِ، وَتَحْقِيقِ المَصَالِحِ العَامَّةِ، وَالِاسْتِصْحَابِ، وَمَا اسْتَحْسَنَتْهُ العُقُولُ وَالفِطَرُ السَّوِيَّةُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَظَانِّهِ.
ثُمَّ يُقَالُ: مَا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي لَمْ يُبَيَّنْ إِذَا كَانَتْ قَاعِدَةُ الحُكْمِ الأَسَاسُ قَائِمَةً عَلَى الشُّورَى المَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ اللهِ، وَالِاخْتِيَارِ بِدُونِ إِكْرَاهٍ، وَسِيَادَةِ الشَّرِيعَةِ؟
وَمَا هِيَ الأَشْيَاءُ الَّتِي تَتَطَلَّبُهَا الدَّسَاتِيرُ سِوَى المَعَايِيرِ؟
وَهَلِ الدَّسَاتِيرُ تُنَصُّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ وَأَعْيَانٍ أَمْ تَضَعُ المَعَايِيرَ وَالمُواصَفَاتِ؟
وَقَدْ تَضَافَرَتْ نُصُوصُ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ.
وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الدَّدَوْ –مِنْ عَدَمِ كِتَابَةِ دُسْتُورٍ عَلَى نَمَطِ الدَّسَاتِيرِ الحَدِيثَةِ– قُصُورٌ فِي النَّظَرِ، وَخُضُوعٌ وَمُجَارَاةٌ لِلْمُصْطَلَحَاتِ الحَدِيثَةِ، وَلَيْسَ دَالًّا عَلَى عَدَمِ وُجُودِ أَحْكَامٍ وَمُوَجِّهَاتٍ وَمَبَادِئَ حُكْمٍ.
فَإِنَّ الكِتَابَةَ وَالتَّدْوِينَ لِلْعُلُومِ وَالفُنُونِ –سَوَاءٌ فِي الدُّسْتُورِ، أَوْ أُصُولِ الحُكْمِ، أَوِ العَقَائِدِ، أَوِ الفِقْهِ، أَوْ غَيْرِهَا– كُلُّهَا أُمُورٌ حَادِثَةٌ، مَعَ وُجُودِ مَضَامِينِهَا وَأَحْكَامِهَا فِي النُّصُوصِ قُرْآنًا
وَسُنَّة.
الأمرُ الآخرُ، أنَّهُ باتَ من المعلومِ بالضرورةِ إكمالُ الدينِ، قالَ تعالى: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا﴾. فكيفَ يَتَوَهَّمُ، أو تُصَاغُ عِبَاراتٌ بَعْدَ هذا الكمالِ تُوَحِّي بأنَّ النبيَّ ﷺ قَصَّرَ أو تَرَكَ أُمَّتَهُ بِلَا هُدًى في أَصْلٍ عَظِيمٍ مِنْ أُصُولِهَا السِّيَاسِيَّةِ؟
وَلَقَدْ أَعْلَنَ النَّبِيُّ ﷺ في خُطْبَتِهِ الجامِعَةِ في حَجَّةِ الوَداعِ أنَّهُ بَلَّغَ وأَدَى، وقَالَ الصَّحَابَةُ: «نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ». فَدَعْوَى أَنَّهُ تَرَكَ أَصْلَ الحُكْمِ بِلَا بَيَانٍ تَتَضَمَّنُ – صَراحةً أو ضِمْنًا – اتهامًا له ﷺ بالتقصيرِ، وَهُوَ بَاطِلٌ وَكَفْرَانٌ بالنِّعْمَةِ… وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَأَفْعالُ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ مَلِيئَةٌ بالأحكامِ المُتَعَلِّقَةِ بالحُكْمِ وَالسُّلْطَةِ، مِمَّا يُسَمَّى في كُتُبِ الفِقْهِ بـِ “أَحْكامِ الإمامَةِ العُظمى”.

ثانيًا:
مَسْأَلَةُ الاِسْتِخْلَافِ وَتَرْكِ التَّعْيِينِ؛ فَالنَّبِيُّ ﷺ لَمْ يُعَيِّنْ خَلِيفَةً بِعَيْنِهِ، مَعَ أَنَّهُ هَمَّ بِذَلِكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ لِلْأُمَّةِ حَقَّ الِاخْتِيَارِ، وَأَنَّهَا تَخْتَارُ مَنْ يَلِي أَمْرَهَا بِالشُّورَى وَالبَيْعَةِ.
وَهَذَا أَعْظَمُ تَشْرِيعٍ سِيَاسِيٍّ: أَنْ يُتْرَكَ البَابُ مَفْتُوحًا لِلِاجْتِهَادِ، لَا أَنْ يُقَيَّدَ بِوَصِيَّةٍ قَدْ تُضَيِّقُ عَلَى الأُمَّةِ عَبْرَ العُصُورِ.
وَقَدْ جَسَّدَتْ سَقِيفَةُ بَنِي سَاعِدَةَ هَذَا الأَصْلَ، حَيْثُ اجْتَمَعَ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فَانْعَقَدَتِ البَيْعَةُ الخَاصَّةُ، ثُمَّ العَامَّةُ، وَكَانَتْ تِلْكَ هِيَ الآلِيَّةَ الَّتِي أَرْسَاهَا الشَّرْعُ.
ثالثًا:
إِنَّ الرِّدَّةَ حَصَلَتْ لِعَوَامِلَ مُخْتَلِفَةٍ، وَالقَوْلُ بِأَنَّ الرِّدَّةَ سَبَبُهَا غِيَابُ “الدُّسْتُورِ” أَوْ عَدَمُ تَعْيِينِ خَلِيفَةٍ، قَوْلٌ مُجَافٍ لِلتَّارِيخِ وَالْوَاقِعِ.
فَالرِّدَّةُ إِنَّمَا وَقَعَتْ لِضَعْفِ الإِيمَانِ عِنْدَ بَعْضِ الأَعْرَابِ، وَامْتِنَاعِهِمْ عَنِ الزَّكَاةِ، وَطَمَعِ بَعْضِ الزُّعَمَاتِ فِي الاسْتِقْلَالِ، وَادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ عِندَ أَمْثَالِ مُسَيْلِمَةَ وَسَجَاحَ.
وَمَعَ ذَلِكَ، أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ بِقِيَادَةٍ شَرْعِيَّةٍ مُوَحَّدَةٍ، تَحْتَ إِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، وَلَمْ تَضْطَرِبِ الدَّوْلَةُ الإِسْلَامِيَّةُ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَحَدًا ارْتَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ دُسْتُورًا لِلْحُكْمِ، أَوْ نَصًّا يُحَدِّدُ طَرِيقَةَ اخْتِيَارِ الخَلِيفَةِ أَوْ عَزْلِهِ.
رابعًا:
إِنَّ خَطَرَ القَوْلِ بِوُجُودِ نَقْصٍ فِي جَوَانِبِ الرِّسَالَةِ، أَوْ إِطْلَاقِ عِبَارَاتٍ فَضْفَاضَةٍ، أَوْ الإِيهَامِ بِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ تَرَكَ الأُمَّةَ عَلَى نَقْصٍ فِي نِظَامِهَا السِّيَاسِيِّ، هُوَ فِي جَوْهَرِهِ مُقَارَبَةٌ لِقَوْلِ غُلَاةِ البَاطِنِيَّةِ وَالفَلَاسِفَةِ، وَمِن بَعْدِهِم الخُمَيْنِيِّ، الَّذِي زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَشِلَ فِي إِقَامَةِ العَدْلِ!
وَبَيْنَمَا عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ كَامِلَةً، وَأَنَّهُ مَا تَرَكَ خَيْرًا إِلَّا دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلَا شَرًّا إِلَّا حَذَّرَهَا مِنْهُ، وَأَنَّهُ ﷺ مَا سَكَتَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا لِحِكْمَةٍ شَرْعِيَّةٍ، إِمَّا لِأَنَّهُ مِنَ المُتَغَيِّرَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي يُتْرَكُ فِيهَا المَجَالُ لِلِاجْتِهَادِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَقَاصِدِ الدِّينِ.
خامسًا:
إِنَّهُ مِنَ المَعْلُومِ أَنَّ الإِسْلَامَ لَيْسَ مَشْرُوعًا سِيَاسِيًّا مَحْضًا، بَلْ هُوَ دِينٌ شَامِلٌ، غَايَتُهُ الأُولَى: تَحْقِيقُ العُبُودِيَّةِ للهِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
وَالسِّيَاسَةُ الشَّرْعِيَّةُ جُزْءٌ مِنْهُ، تُنَظِّمُ حَيَاةَ النَّاسِ وَتَضْبِطُهَا وِفْقَ مَقَاصِدِ العَدْلِ وَالرَّحْمَةِ.
فَالتَّفْسِيرُ السِّيَاسِيُّ المَحْضُ لِلرِّسَالَةِ تَحْرِيفٌ لِحَقِيقَتِهَا، وَالزَّعْمُ بِوُجُودِ اخْتِلَالَاتٍ فِي مَنْظُومَةِ التَّشْرِيعَاتِ فِي الحُكْمِ، اتِّهَامٌ ضِمْنِيٌّ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِعَدَمِ التَّبْلِيغِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
وعليه؛ فَإِنَّهُ إِبْرَاءً لِلذِّمَّةِ وَعَمَلًا بِوَاجِبِ النَّصِيحَةِ وَالبيَانِ، تُؤَكِّدُ رَابِطَةُ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ أَنَّ مَا صَدَرَ عَنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ الحَسَنِ الدُّدُّو –حَفِظَهُ اللهُ– زَلَّةٌ عَظِيمَةٌ، يَجِبُ أَنْ يَتَرَاجَعَ عَنْهَا صَرَاحَةً، وَأَلَّا يُصِرَّ عَلَى مَا يُوْهِمُ اتِّهَامَ النَّبِيِّ ﷺ بِالتَّقْصِيرِ، أَوْ فَتْحِ بَابٍ لِلْمُحَادِينَ لِشَرِيعَةِ الإِسْلَامِ وَاتِّهَامِهَا بِالعَجْزِ عَنِ الشُّمُولِ وَالثَّبَاتِ، فَالدِّينُ اللهِ كَامِلٌ، وَرَسُولُهُ ﷺ قَدْ بَلَّغَ البَلَاغَ المُبِينَ، وَأَرْسَى لِلأُمَّةِ أُصُولَ الحُكْمِ وَالوِلَايَةِ، وَتَرَكَ لَهَا مَسَاحَةَ الاجْتِهَادِ فِيهَا وَفْقًا لِمَا يَتَجَدَّدُ لَهَا مِنَ الحَوَادِثِ وَالنَّوَازِلِ عَبْرَ الأَزْمَانِ.
وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرُدَّنَا جَمِيعًا إِلَى الحَقِّ رَدًّا جَمِيلًا، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، وَأَنْ يَحْفَظَ عُلَمَاءَ الأُمَّةِ مِنَ الزَّلَلِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
الهيئة العليا لرابطة علماء المسلمين
٢ ربيع الأول ١٤٤٧ هـ
٢٥ سبتمبر ٢٠٢٥ م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى