قمة شرم الشيخ للسلام: محاولة لتدشين صفحة جديدة أم محطة على حافة الغموض؟… بقلم/ احمد العالم
في يوم حافل جمعت فيه أنظار العالم نحو مصر، انعقدت قمة شرم الشيخ للسلام، التي تحمل في طياتها طموحات كبيرة ومخاطر جسيمة على حد سواء. فبين التوقعات العالية والخشية من الخيبات، تبدو القمة محطة مفصلية في مسار الصراع الفلسطيني‑الإسرائيلي، قد تغيّر المشهد إما باتجاه تحقيق استقرار نسبي أو العودة إلى الأزمة في صورة أشد سوءًا.
سياق القمة: من التوتّر العسكري إلى محاولة المبادرة الدبلوماسية
بدأت الحرب في غزة في 7 أكتوبر 2023، وتفاقمت الخسائر الإنسانية والعسكرية بمرور السنين. وقد ظهر مساء اليوم في شرم الشيخ اتفاق على تبنّي المرحلة الأولى من خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تشمل وقف إطلاق النار، تبادل الأسرى، تقديم المساعدات، وترتيبات مؤقتة لإدارة القطاع.
لكن ما يميز قمة شرم الشيخ أنها لا تقتصر على التفاهمات الأولية فحسب، بل تُعدّ لقاء تظهِر فيه إرادة دولية تجمع أطرافًا مختلفة لدعم التهدئة. من هذا المنطلق، فإن القمة تُعَد اختبارًا لمدى جدية الأطراف في الالتزام بما تمّ التوقيع عليه.
الحضور والغياب: ما تكشفه القائمة والورود المفقودة
شهدت القمة مشاركة أكثر من 20 رئيسًا وزعيمًا، منهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى أمير قطر وتمثيل رفيع من الولايات المتحدة، ولكن اللافت كان غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رفض المشاركة لأسباب دينية وفق تصريح مكتبه.
غياب إسرائيل، والمشاركة المحدودة لحماس (بصفة غير مباشرة أو من خلال وسطاء)، يطرح تساؤلات جدية حول مدى شمولية القمة، وإمكانية فرض القرارات على الأطراف المعنيين فعليًا على الأرض.
الأجندة المعلنة: نقاط الضغط والتحديات الكامنة
من الأجندة التي بُسطت أمام القمة
– التزام بوقف إطلاق النار وتنفيذ تبادل للأسرى.
– إعادة إعمار غزة، وتحويل الملف إلى إدارة مؤقتة تشرف عليها جهات دولية أو تقنية، بديلة عن السلطة الحالية أو حماس في ما يتعلق بالحكم الفعلي الميداني.
– ضمان عودة المساعدات الإنسانية والانفتاح الكامل للمعابر، وتوفير الحماية للمدنيين المتضررين.
لكن هذه النقاط لا تقلّ عن كونها محفوفة بصدامات سياسية وأيديولوجية، فمسألة السلاح، وإدارة غزة، وشرعية الحُكم المحلي، هي نقاط خلاف جوهرية لا يسهل تجاوزها.
فرص النجاح: ما الذي قد يساهم في ترجمة القمة إلى واقع؟
– الضغوط الدولية: وجود الولايات المتحدة، ومصر، وتركيا، وقطر في قلب المبادرة، قد يُولّد رافعة دبلوماسية لنقل الاتفاق من الطاولة إلى التنفيذ.
– آلية تنفيذ ومراقبة دولية: إن توفر آليات رصد دولية محايدة تراقب الالتزام وتُحاسب المخالف يمكن أن تكون رادعة فَعّالة.
– توافق فلسطيني داخلي: إذا نجحت الفصائل في الاتفاق على صيغة مشتركة تُسهّل تمرير الاتفاق داخليًا، فإن فرص الابتعاد عن العودة إلى الاقتتال أو التشظّي تزداد.
المخاطر والشكوك: لماذا قد تفشل القمة في تحقيق أهدافها؟
– غياب إسرائيل كطرف فعلي في القمة: غيابها يضعف إمكانية تطبيق الاتفاقات على الأرض، خاصة عند الحاجة لقوات الاحتلال لتغيير سلوكها أو التزامها.
– إغفال الأبعاد الجوهرية للقضية الفلسطينية: مثل حق العودة، القدس، التوطين، ومعنى دولة فلسطين المستقلة؛ إن اقتصرت النقاشات على التهدئة فقط، فالأزمة الجوهرية تبقى قائمة.
– إغراء العودة إلى الحرب: أي خرق من طرف إسرائيلي أو استعداد عسكري لإعادة التصعيد قد يؤدي إلى نسف الاتفاق.
– ثقة مهزوزة لدى المدنيين والفصائل: تراكم التجارب الفاشلة يجعل الشارع الفلسطيني حذرًا من «وعود السلام» التي تنكسر بالعنف.
استنتاجات وتوصيات استراتيجية
قمة شرم الشيخ تمثّل فرصة دولية وتجربة دبلوماسية ذات وزن، لكن نجاحها ليس مضمونا. لتتحول من طقس رمزي إلى إنجاز ميداني، ينبغي
– ضمان مشاركة إسرائيل فعليًا في مراحل التنفيذ.
– تكليف جهة رقابية دولية مستقلة بمراقبة الالتزام.
– دمج الفصائل الفلسطينية في صياغة الإدارة الانتقالية لغزة.
– بناء آليات سريعة لإنجاز الإعمار وإعادة الإعمار.
– تقديم ضمانات اقتصادية للمساكين في غزة، لضمان أن السلام لا يبقى مجرد مصطلح سطح.
وفي النهاية، التاريخ قد يسجّل شرم الشيخ محطة تحول إذا التزمت الأطراف بقراراتها، أو يدونها كبداية ظليلة لمشهد جديد من التوتر إذا لم يُرافق التوقيع التنفيذ الجاد. إنها لحظة الفرصة الكبرى — فهل يتجرأ الجميع على تحويلها إلى عمل وليس إلى إعلان؟