آراء

موريتانيا على حافة الانهيار الصامت: حين تتحول الجريمة إلى نمط حياة….بقلم / أحمد العالم

لم تعد ظواهر المخدرات، والدعارة، وغسيل الأموال، وفوضى العلاقات السرّية في موريتانيا مجرد سلوكيات هامشية أو انحرافات فردية معزولة، بل أضحت مؤشرات بنيوية على خلل عميق يهدّد تماسك المجتمع وقدرة الدولة على حماية نفسها من التفكك البطيء.

الأخطر من انتشار هذه الظواهر هو الصمت الجماعي المريب الذي يلفّها: صمت المؤسسات، وتردّد النخب، ولامبالاة الخطاب العام، وكأن المجتمع اعتاد الخطر أو قرر التعايش معه.

المخدرات: من التهريب إلى الاستهلاك

قبل سنوات، كانت موريتانيا تُصنَّف كـ”بلد عبور” لشحنات المخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية في طريقها إلى أوروبا. اليوم، لم يعد الأمر كذلك.

فالمخدرات لم تعد تمرّ فقط، بل استقرّت، وأصبح لها سوق محلية، وشبكات توزيع، وزبائن من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية.

قصص توقيف شبان في مقتبل العمر بتهم الاتجار أو التعاطي لم تعد نادرة، بل تحولت إلى أخبار عابرة في النشرات اليومية. الأخطر أن هذه الظاهرة باتت تتسلل إلى الأحياء الشعبية كما إلى بعض الأوساط الميسورة، ما يعني أن الخطر لم يعد محصورًا في الهامش، بل يضرب في عمق المجتمع.

الدعارة وغسيل الأموال: اقتصاد الظلّ

بالتوازي مع ذلك، تنامت ظاهرة الدعارة المقنّعة، المرتبطة في كثير من الأحيان بشبكات غسيل الأموال.

محلات تجارية، شقق مفروشة، سيارات فارهة، أنماط عيش لا تتناسب مع أي نشاط اقتصادي مشروع، ومع ذلك تمرّ دون مساءلة حقيقية.

في دول أخرى، تُعدّ هذه المؤشرات سببًا كافيًا لفتح تحقيقات مالية صارمة. أما في موريتانيا، فكثيرًا ما يُغلَق الملف قبل أن يُفتَح، إما بسبب النفوذ، أو الخوف، أو غياب الإرادة.

فوضى العلاقات السرّية: حين تنهار القيم الجامعة

لا يقلّ خطورة عن ذلك ما يمكن تسميته بـفوضى العلاقات السرّية، حيث تآكلت الضوابط الأخلاقية والاجتماعية التي كانت تشكّل صمّام أمان للمجتمع.

هذه الفوضى لا تُهدّد الأسر فقط، بل تخلق بيئة خصبة للابتزاز، والفساد، واستغلال النفوذ، وربط المصالح غير المشروعة بعلاقات خارج أي إطار قانوني أو أخلاقي.
الصمت أخطر من الجريمة

التجارب الدولية تُظهر أن الدول لا تنهار فجأة، بل تسقط بالتقسيط.

لم تسقط دول في أمريكا اللاتينية أو إفريقيا بسبب المخدرات وحدها، بل بسبب التطبيع معها، وبسبب صمت النخب، وتآكل هيبة القانون، وتحول الجريمة إلى جزء من المشهد اليومي.

وحين تصبح الأسئلة محرّمة، والحديث عن الخطر يُوصَم بالمبالغة أو التشويش، فذلك يعني أن الانهيار لم يعد احتمالًا نظريًا، بل مسارًا مفتوحًا.

ناقوس الخطر

إن دقّ ناقوس الإنذار اليوم ليس تشاؤمًا ولا تهويلًا، بل واجب وطني.

فالمواجهة لا تبدأ بالحملات الأمنية فقط، بل بإرادة سياسية واضحة، وقضاء مستقل، وإعلام مسؤول، ونخب تملك الشجاعة لقول الحقيقة، ولو كانت مُرّة.
السفينة لم تغرق بعد، لكنها تتسرّب إليها المياه من كل الجهات.

والتاريخ لا يرحم المجتمعات التي رأت الخطر قادمًا… وقررت الصمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى