آراء

المؤثرون والصحفيون… نهاية التراتبية الإعلامية!

في المؤتمر الوطني الديمقراطي (DNC)، الذي عقده الحزب الديمقراطي قبل الانتخابات الأمريكية، وجد الصحفيون أنفسهم في موقف محرج، حيث قامت اللجنة المنظمة للمؤتمر بتجاهلهم وتهميشهم لصالح مجموعة من المؤثرين الرقميين على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. لقد اعتمد المنظمون، إلى جانب عدد من الصحفيين التقليديين، على أكثر من 200 مؤثر من منصات رقمية متنوعة تخاطب الشباب مثل ” تيك توك وإنستغرام ويوتيوب” لتغطية فعاليات وأحداث المؤتمر. وقد تم منح هؤلاء المؤثرين امتيازات خاصة لم يحصل عليها الصحفيون الحاضرون، مثل:

• الوصول إلى أماكن محددة داخل المؤتمر.

• التواجد في صالة خاصة.

• الجلوس في الصفوف الأمامية.

• منصة مخصصة لإنشاء المحتوى.

• التواصل المباشر مع قادة الحزب الديمقراطي.

• تصوير مقاطع فيديو معهم ونشرها على منصاتهم الخاصة. هذه الاستراتيجية التي تبنّاها الحزب الديمقراطي، والمنهج الجديد الذي اتبعه في تعامله مع الصحفيين، يمثّلان سابقة غير معهودة في تاريخ المؤتمرات الحزبية، فلم يسبق للحزب أن اعتمد على هذا العدد الكبير من المؤثرين في الترويج لفعالياته وتسويق نشاطاته ونشر رسائله السياسية إلى المجتمع والناخبين والجمهور.

ويبدو أن الجهة التي كانت تدير المؤتمر تؤمن بأن المؤثرين يتمتعون بقدرة أكبر من الصحفيين التقليديين على إيصال الرسائل، إذ ان لديهم الإمكانية لمخاطبة الفئات الشابة التي لا تتابع الأخبار عبر الوسائل التقليدية، بل تعتمد على المنصات الرقمية لمواكبة الأحداث ومتابعة مجرياتها.

من جهتهم، عبّر الصحفيون عن إحباطهم وقلقهم إزاء تقليص دورهم في هذا المؤتمر، حيث تم تقييد حركتهم داخل المكان، ولم تُمنح لهم الامتيازات التي اعتادوا الحصول عليها في المؤتمرات السابقة، أو تلك التي مُنحت للمؤثرين هذه المرة.

ومن دون أدنى شك، فإن دلالات هذا الحدث تعكس تحوّلًا كبيرًا في العوامل المؤثّرة بالمشهد الإعلامي المعاصر، وفي الدور المتنامي الذي بات يلعبه المؤثرون الرقميون في السياسة والإعلام والمجتمع، خصوصًا في الفترات التي تسبق أو تتزامن مع الحملات الانتخابية، كما أن هذه الواقعة تثير العديد من التساؤلات حول وضع الصحافة التقليدية ومستقبلها، ومهامها في ظل التحوّل الواضح نحو المنصات الرقمية وخطابها الموجّه لجمهورها.

فالمنصات الرقمية، بما فيها مواقع التواصل، باتت مساحة رئيسية للوصول إلى الناخبين، والمؤثرون هم الذين يمسكون بخيوط اللعبة في هذه المنصات، من خلال اتقان إيصال الرسائل، السياسية وغيرها، بطرق غير تقليدية، وعلى نحو أسرع، وبأساليب قد لا يجيد استخدامها كثير من الصحفيين في العصر الرقمي.

ومع ذلك، أرى أن الصحفي “الذكي” هو من يمتلك القدرة على التكيّف مع هذا الواقع الجديد، عالم تحرّكه التطبيقات الرقمية وأدوات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يفرض عليه أن يفهم جيدًا ما يجري، ويتسلّح رقميًا بكل ما يدعم وظيفته الصحفية، حفاظًا على دوره المحوري في صناعة المشهد الإعلامي والتأثير في الرأي العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى