تقارير وتحقيقات

حوادث السير في موريتانيا: قراءة تحليلية في دراسة العون الطبي الاستعجالي

 

كشفت دراسة ميدانية طصادرة عن العون الطبي الاستعجالي الموريتاني (SAMU Mauritanie) تغطي الفترة من 16 دجمبر 2023 إلى 15 يونيو 2024، عن أرقام مقلقة تتعلق بحوادث السير على محاور الطرق الحيوية المؤدية إلى العاصمة نواكشوط. الدراسة شملت ثلاث محاور رئيسية: نواكشوط – ألاك، نواكشوط – روصو، ونواكشوط – نواذيبو، وهي الطرق التي تشهد أكبر نسبة من الحركة المرورية في البلاد.

بلغ عدد ضحايا الحوادث الذين تدخلت فيهم فرق SAMU خلال هذه الفترة 496 شخصًا، 60% منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة، ما يُشير إلى أن الفئة الشابة والمنتجة في المجتمع هي الأكثر تضررًا. أما من حيث الوضعية المهنية، فقد بيّنت الدراسة أن:
40% من الضحايا عاطلون عن العمل
20% عمال غير دائمين
9% موظفون
11% تجار
7% طلاب

أيضا شكلت مركبات النقل العمومي الجماعي النسبة الأكبر من الحوادث بـ54.5%، بينما شكلت السيارات الشخصية 31.8%. وهذا يدق ناقوس الخطر حول معايير السلامة في وسائل النقل الجماعي، ومدى التزام السائقين بالقواعد المرورية.

من حيث التوزيع الجغرافي:
سجلت نواكشوط وحدها 43% من الحوادث،
تلتها طريق نواكشوط – ألاك بنسبة 26%،
ثم نواكشوط – روصو بـ20%،
وأخيرًا طريق نواكشوط – نواذيبو بـ10.5%.

أما أكثر المقاطع خطورة، فقد تصدر مقطع نواكشوط – بوتيليميت بنسبة 13.4%، يليه مقطع بوتيليميت – ألاك، ثم تكنت – روصو، ونواكشوط – تكنت بنسبة 8.7%. في حين سجل مقطع الشامي – نواذيبو النسبة الأقل بـ4.3%.

أظهرت الدراسة أن التصادم الأمامي هو الأكثر شيوعًا بنسبة 59.3%، يليه انقلاب المركبات بـ11.3%. وتُظهر هذه الأرقام ضعف البنية التحتية في بعض المقاطع وغياب حواجز الأمان، إلى جانب تجاوز السرعة والقيادة المتهورة.

أما السرعة المفرطة، فقد كانت حاضرة في 73.9% من الحالات، وكانت السبب المباشر والوحيد في 38.6% من الحوادث. هذا يشير إلى فشل واضح في آليات الردع والرقابة الميدانية.

بلغ عدد الوفيات في المكان أو أثناء النقل 88 حالة، ما يعادل 18.8% من إجمالي الحالات، وهو معدل عالٍ يعكس إما عنف الحوادث أو تأخر التدخل الإسعافي، أو ضعف المعدات والوسائل الطبية على الطرق.

هذه الأرقام تؤكد أن حوادث السير في موريتانيا تحوّلت إلى مشكلة بنيوية تهدد الأرواح وتستنزف قدرات الدولة والمجتمع. كما أن الدراسة أظهرت بوضوح الحاجة الملحّة إلى:

تعزيز الرقابة المرورية، لا سيما على الطرق السريعة.
تحسين البنية التحتية، خاصة في المقاطع الخطرة.
إلزام النقل العمومي الجماعي بشروط السلامة وتكوين السائقين.
إدماج الإسعاف الاستعجالي ضمن المخطط الوطني للسلامة الطرقية.
تفعيل الردع القانوني وتطبيق عقوبات مشددة على السرعة المفرطة.

تُبرز دراسة SAMU Mauritanie الدور الحيوي للأبحاث الميدانية في توجيه السياسات العمومية، فهي تقدم تشخيصًا دقيقًا مدعومًا بالأرقام، وتُعد مرجعًا لا غنى عنه للجهات المسؤولة عن السلامة الطرقية. وإذا لم تُترجم هذه المؤشرات إلى قرارات عملية، فستظل الأرواح تُزهق بلا معنى، على طرق لم تعد تأمن فيها الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى