هل نحن نعيش عصر التفاهة؟…بقلم أحمد العالم

في خضم التحولات الثقافية والإعلامية والاجتماعية التي يشهدها العالم، يبرز سؤال جوهري: هل دخلنا فعلاً في “عصر التفاهة”؟ سؤال يطرحه الكثيرون، مع ملاحظة طغيان المحتوى السطحي على النقاشات الجادة، وارتفاع نجومية شخصيات لا تقدم بالضرورة قيمة معرفية أو فكرية، في مقابل تهميش الكفاءات الحقيقية.
ظهر مفهوم “عصر التفاهة” بشكل واضح في كتاب الكندي آلان دونو “نظام التفاهة”، حيث اعتبر أن المعايير تغيرت، فلم يعد التميز ولا العمق ولا الجدارة هي بوابة الصعود، بل القدرة على “اللعب داخل النظام”، والمسايرة، وإرضاء الذوق الجماهيري السريع والمختزل.
تلعب مواقع التواصل دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل الذوق العام، حيث يتصدر التافهون المشهد في كثير من الأحيان، ليس لأنهم الأفضل، بل لأنهم الأكثر إثارة للجدل أو تكرارًا. وبهذا تُنتج خوارزميات المنصات دائرة مغلقة من الشهرة السريعة، مبنية على التفاعل اللحظي لا على القيمة.
لا يقتصر الأمر على الإنترنت. فحتى في الإعلام، بات التركيز على الإثارة والتبسيط المفرط أكثر من التعمق والتحليل. وفي السياسة، يكتسب من يُجيد الخطاب الشعبوي جماهيرية أكبر من ذوي المشاريع والرؤى الواقعية. أما التعليم، فصار في كثير من الأحيان يُقوَّم بالمظاهر لا بالمحتوى.
رغم كل ذلك، لا يعني هذا نهاية العقل أو انقراض الجدية. بل إن الوعي بوجود “نظام التفاهة” يمثل خطوة نحو مقاومته. لا تزال هناك مساحات حرة تنتج معرفة جادة، ولا يزال المثقفون قادرين على فرض بدائل حقيقية، شرط ألا ينعزلوا أو يُقصوا أنفسهم من المشهد العام.
نعم، نحن نعيش زمناً تتسيد فيه التفاهة في العديد من المجالات، لكن الإدراك والرفض والمقاومة الثقافية والفكرية هي السبيل للنجاة من هذه الموجة. السؤال ليس فقط: هل نحن في عصر التفاهة؟ بل: كيف نمنع التفاهة من أن تكون قدرًا دائمًا؟