من عسكري إلى التسول والإدمان: الوجه الآخر للهجرة إلى المجهول…بقلم / أحمد العالم

في صورة تختزل مآسي الاغتراب، ظهر شاب موريتاني، كان في ما مضى يرتدي البزة العسكرية ويمثل رمزًا للانضباط والواجب، وهو اليوم يتسكع في أحد شوارع الولايات المتحدة، وقد نال منه الإدمان وقهرته قسوة الحياة. مشهد صادم يعكس واقعًا مؤلمًا لكثير من شبابنا الذين حملوا أحلامهم وغادروا الوطن بحثًا عن “الفرصة” في بلاد الغربة، ليجدوا أنفسهم فريسة لوهم اسمه “الهجرة”.
إن قصة هذا الشاب ليست سوى واحدة من عشرات القصص التي لا تُروى، والتي تنتهي في زوايا الشوارع أو على أرصفة النسيان. ذهب بحثا عن الرفاه، ليصطدم بواقع مجتمع لا يرحم الضعفاء، ولا يلتفت لمن يسقط. مجتمع تهيمن عليه الفردانية، ويغيب عنه دفء الأسرة، ويفتقد إلى روابط القربى والانتماء.
يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: “الحرية لا تساوي الانفلات، كما أن الهجرة لا تعني الهروب من الواقع، بل مواجهته في ثوب جديد”. كثير من المهاجرين يواجهون صدمة حضارية قوية حين ينتقلون من بيئة محافظة ذات مرجعية دينية وأخلاقية، إلى بيئة غربية تقوم على المادية والتحلل من الضوابط الاجتماعية.
ولعل أكبر الأخطار التي تهدد المهاجرين الشباب هي الإدمان والتفكك، إذ تشير دراسات أميركية إلى أن نسبة كبيرة من المشردين في الشوارع هم من الأجانب الذين لم يستطيعوا الاندماج أو فشلوا في بناء حياة مستقرة.
الخلل ليس في الهجرة بحد ذاتها، بل في غياب التأهيل النفسي والروحي، وفي ضعف الخلفية التربوية التي تجعل الشاب ينهار أمام أول امتحان للحرية المطلقة. وقديمًا قالوا: من لا يملك قيادة نفسه، لن تسعفه أي أرض مهما اغترب فيها.
كما يتحمل الإعلام ووسائل التواصل جزءًا من المسؤولية، إذ يُروّج للهجرة وكأنها الحل السحري، دون أن يكشف عن التحديات والعواقب، فيصور حياة المهاجر وكأنها جنة موعودة، بينما الحقيقة كثيرًا ما تكون أقرب إلى الجحيم الصامت.
المطلوب اليوم ليس فقط تحذير الشباب من التهور في قرارات الهجرة، بل إعادة بناء ثقتهم في أوطانهم، وتحفيزهم على الإصلاح والبناء بدل الهروب. فالوطن بحاجة إليهم، وأملهم الحقيقي في تغيير واقعهم يبدأ من الداخل، لا من ضفة أخرى قد تكون مجرد سراب.