سلسلة يكتبها محمد محمود ولد بكار: ثلاثة ملفات حرجة على طاولة غزواني !(ح: 2)

ملف الإصلاح السياسي والإداري أو التحضير للخروج الآمن، وملف الهجرة، وملف الغاز (BP)
سلسلة يكتبها محمد محمود ولد بكار
الحلقة الثانية
باستثناء غزواني، لا يوجد من يعرف البعد الأيديولوجي لهذه المقاربة : الانتقال من نظام إلى لا نظام، أي من نظام بحراسة قوية إلى نظام من دون حرّاس. السؤال الملح هنا ليس فقط هل هذا أحسن أم أسوأ لأن الشكل النهائي لم يظهر ولأن والفكرة لم تر النور في صيغة رؤية ومع أننا نعرف أن ما يحدث في موريتانيا على مستوى الواقع لا يمكن أن ننتظره وفق أي منطق فإننا علينا أن نثير السؤال أمام هذا الواقع على نحو حذر لأننا لا نملك قواعد أو محددات تهدينا إلى سبيل الحقيقة ، لكن الطريق الأقرب للجواب ستكون وضع السؤال عن الأبعاد أو المحددات لشخصية غزواني نفسه بوصفه صاحب الفعل الذي أدى اهذه الوضعية ،وهنا نستذكر إن غزواني ليس صاحب ايديولوجيا ليبرالية أو اشتراكية، ولا رجل سياسية بالتكوين، كما أن وقته مشحون دون المفكرين وكبار الكتاب والصحفيين دوائر التفكير أو الحركات الأيديولوجية ، وعكسا لمن يريد صناعة التاريخ حتى في راحاته السنوية والخارجية لا يخصص هامشا لمثل تلك اللقاءات المهمة ، والأغرب من ذلك أن أغلب من له علاقة تأثير عليه، ضمن دوائر الحكم تلك، يقع في نفس المنطقة الرمادية. وإذا أخذنا في الحسبان الاهتمام المتزايد بالتواصل الاجتماعي الذي طبع الأخبار بعدم اليقين والشك وانعدام المصداقية والشطط أكثر من دوائر التعقل والتفكير، فإن الأمر قد يخرج من دائرة التقييم بالنسبة لمن يواجه نفس حجم التحديات . إنه لأمر مثير للدهشة حقا ومع ذلك لابد من البحث عن منطق لهذا التحول العميق في جهاز الحكم .
ولتبسيط المسألة قليلا: لقد تعودنا في موريتانيا منذ 50 سنة على نظام سياسي يقود البلد، مركزه المؤسسة العسكرية، وهناك دوائر تحيط بهذا المركز، ويترابط الجميع للحفاظ على النظام الذي هو بالتالي النظام العام، والذي يمثل جملة من المصالح في سياق تفاهمي عرفي لهذه الدوائر التي تتكون من العسكر كمركز للسلطة ودائرة رجال الأعمال والنخبة الاجتماعية (القبائل والشيوخ والمشايخ الدينيين والإداريين والأمن والصحافة ونخبة التهريج المرتبطة بهذا النظام). هذه التوليفة ظلت هي البنية المتماسكة التي تحمي النظام إلى اليوم. في الحقيقة، لا يمكن تحقيق إصلاح جوهري أو تغيير من خلال هذه البنية. كل ما كان بالإمكان هو دفعها إلى الأمام حتى تنتهي دورتها، ونصل إلى تناوب خارج سياق الفوضى. إن دورنا في المعارضة كان، في الحقيقة، مثل دور “لِخيالْ”: التمويه الليلي ضد الذئب الذي يضعه الراعي حول الغنم. قليل من كان يدري ذلك ومع ذلك كان مهما في الوصول لهذه المرحلة. الأمر الجديد هو أن هذا الفعل جاء من داخل النظام نفسه وبيد الرئيس. فقد تم تفكيك مركز هذا النظام، أي الأرستقراطية العسكرية بعد تقاعد جميع أعضاء الانقلابات العسكرية الماضية وجميع رجال السياسية العسكريين الذين كانوا يمثلون المرجعية للنظام العسكري. لقد انتهى النظام العسكري اليوم حتى ولو تم ترشيح عسكري عبثا، فإن التعاضدية العسكرية التي كانت تحرك السياسية من داخل مراكز النفوذ العسكرية، والتي كانت تجذب إليها تلك التوليفة، لم تعد وظيفية، أي لم تعد موجود كقادة عسكريين أو أمنيين يحركون المجتمع والسياسيين من داخل السلطة. وسنلاحظ أن 28إلى 30% التي كانت تمثل شعبية الكرسي الدائمة ستتلاشى لأن ذلك الكرسي بالفعل لم يعد موجودا كتجسيد لاستمرارية نظام معين. إن المواطن اليوم يعرف أن غزواني من دون خليفة، ليس لأنه نجح بالكاد رغم حملته القوية التي قادها بنفسه على طول البلد 2024 ، بل لأنه بعد سنتين من الآن لن يملك نفس القدرة على التأثير في التيارات الشعبوية الكبيرة، لأنه من دون نظام. وهكذا يتوجب عليه، وهو يملك الخيوط الأساسية للعبة، أن يؤسس لفكرة النظام الجديد . إن مركز القيادة سينتقل -انطلاقا من هذه المحصلة- من الميدان العسكري إلى الميدان المدني. لقد تم ذلك عمليا من خلال العمل بمقتضى التنفيذ الحرفي لقانون التقاعد، وكذلك وقف فوضى العطايا في رتبة جنرال التي لم تكن استحقاقية في الأغلب الأعم حيث تم تمييع المؤسسة العسكرية وضاعت قيمة رتبة مقدم وعقيد إلى الهاوية ونقلت تناقضات المجتمع إلى الجيش بالنسبة للتوازنات القبلية والجهوية والشرائحية وغيرها. لقد أدى العمل بهذين الأمرين إلى خروج القادة العسكريين السياسيين الذي كانوا يمثلون المرجعية الوراثية للسلطة إلى الشارع. إنهم الآن لا يملكون أي قدرة لتوجيه الناخبين، كما انتقلت القيادة العسكرية والأمنية لشخصيات مهنية لا علاقة لها بالسلطة كممارسة أو كوصاية ولا بالسياسة كمكمل لدورهم في السلطة. ثم ان الدوائر المدنية التي ظلت تدور حول هذا المركز، أخذت قبضتها في التراخي لأمرين: الأول انهيار النظام الذي كانت تستمد منه قوتها في السلطة، والثاني تعاظم تيارات محاربة الفساد وصعود القوى والمطالب الشبابية ضد القبلية وضد هيمنة الشيوخ والمشايخ والأطر القديمة على السياسه وعلى الدولة. وهكذا إذن انتقلنا إلى مخاض جديد ننتظر منه مولودا بلا محددات موضوعية وبلا اسم ومن دون حماة، وهو النظام الذي سيولد سنة 2029 .
والمفارقة أن غزواني لم يعلن عن تفكير ولا عن خطة تتعلق بهذا النظام، ولا أي حاضنة له ، كما أنه لا يمكن الجزم أن هناك تفكير أو خطة بالضرورة وبالأساس حول ذلك لأنه ربما يكون جاء صدفة بسبب انتصاره لمؤسسته التي تربى فيها وارتقى فيها حتى أوصلته لما هو عليه. ولهذا يرى أنه من الضروري إعادة بنائها في إطار المهنية، والابتعاد عن السياسية، ووقف العطيات المتعلقة برتبة جنرال، والتمديد بالخلود لمجموعة صارت من غير شرعية مهنية عسكرية، بل لأنها ظلت في مراكز عليا في المؤسسة العسكرية، وكأعضاء من نظام. وهكذا يكون مؤدى العمل بتلك الاجراءات التخلص من تلك النخبة التي ظلت جامدة في القمة بسبب التمديد لها بالرتب . إن هذه الوضعية تجعل من هذه العهدة مرحلة انتقالية بالضرورة، وهي الأكثر حساسية و الأهم في تاريخ البلد سواء فهم ذلك غزواني أم لم يفهمه، فلم يبق من سيطرة النخبة القديمة ما يؤمن هذا الوضع .
إن المشكل الكبير ليس أن الوعي بهذه الوضعية ليس متداولا، بل أن هذا لم يعزز الوعي داخل المعارضة الواسعة التي ظلت تنشد التناوب وجعلنا في الواقع أمام حلقة من حلقات نضج المؤسسات والوعي السياسي والالتزام الوطني ضائعة في عملية التحول. وهذه الحلقة تقوم على أساسين: البناء السياسي والبناء الأمني. لابد أن يكون كل ذلك جمهوريا في العمق، ليس شخصيا ولا عرقيا ولا لونيا ولا قبليا. وهنا تبرز أهمية التساؤل مجددا حول ماذا يريد غزواني بالضبط؟.
الأنباء الفيسبوكية مرة أخرى تقول انه التقى بيرام الذي عاش معه صداقة متذبذبة جدا،وقبل أن يخرج بيرام بقاموس أقل إطراء وبالوفاض نفسه ، رغم أن الأمور التي جعلت غزواني يلتقيه أبعد بالتأكيد من رغبة شخصية لأنه سبق وأن تجاوز في حقه كل الخطوط في أعقاب بناء جسور قوية ، لكن يبرز هنا التساؤل حول الضمانات بشأن تجربة جديدة مع بيرام في ضوء تلك التجربة الماضية والترتيبات لعملية سياسية جديدة لتأمين الخروج الآمن على الأقل وتحضير انتخابات دون أحكام مسبقة أو مواقف معلبة وعلى نحو صريح دون ضجيج في النهاية تستغرق السيطرة عليه أسابيع . هل هناك إمكانية لإرضاء بيرام بسقف آخر غير ذلك الذي يجعل طريقه سالكا للرئاسة بالضرورة هذه المرة ويقنعه بالدخول في حوار؟!.والحقيقة أنها لا يوجد أي شيء من ذلك القبيل ومعناه أنه لن يحصل أي حوار إذا كان بيرام أحد اشتراطات الحوار ، لكن هل هذا كل شيء !؟
يتواصل
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار