آراء

السابع من أكتوبر… يوم لا كسائر الأيام..بقلم / أحمد العالم

في تاريخ الشعوب، ثمة أيام تبقى شاهدة على التحوّلات الكبرى، تصنع منعطفاتٍ حاسمةً في مسيرة أمةٍ أو قضيةٍ أو حتى حضارةٍ بأكملها. ومن بين تلك الأيام التي لن تنمحي من الذاكرة، يبرز السابع من أكتوبر، اليوم الذي أعاد خلط الأوراق في المنطقة، وفتح صفحة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بكل ما تحمله من آلامٍ وتحدياتٍ وأسئلة وجودية.

يوم استيقظ فيه العالم على واقع جديد

في صباح ذلك اليوم من عام 2023، باغتت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ومعها فصائل فلسطينية أخرى، العالم بعملية وُصفت بأنها الأوسع والأجرأ منذ عقود. هجوم متعدّد المحاور انطلق من قطاع غزة نحو العمق الإسرائيلي، تجاوز حدود إطلاق الصواريخ إلى اقتحامات برية وسيطرة ميدانية على مواقع عسكرية ومستوطنات حدودية.
أحدثت العملية زلزالًا أمنيًا وسياسيًا في إسرائيل، واهتزت على وقعها العواصم الكبرى، إذ لم يكن أحد يتوقع أن تتمكّن المقاومة من إحداث خرق بهذا الحجم في منظومة أمنية توصف بأنها الأقوى في الشرق الأوسط.

تداعيات إنسانية وعسكرية هائلة

ردّت إسرائيل على الهجوم بحرب شاملة على قطاع غزة، استخدمت فيها أقصى درجات القوة التدميرية، ما أدى إلى سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وتدمير شامل للبنية التحتية، وتهجير قسري لمئات الآلاف من السكان.
تحوّل القطاع إلى مأساة إنسانية متواصلة، وأصبح مسرحًا لصراع غير متكافئ بين جيش يمتلك أحدث ترسانة عسكرية في العالم، وشعبٍ أعزل يقاوم من تحت الركام.

في المقابل، أعادت العملية النقاش العالمي حول جوهر القضية الفلسطينية، ودفعت ملايين البشر في مختلف القارات إلى النزول للشوارع تضامنًا مع غزة ورفضًا لسياسات الإبادة والحصار، لتتحول مأساة 7 أكتوبر وما تلاها إلى قضية ضمير عالمي.

تبدّل في معادلات القوة والوعي

ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله. فقد انكشفت محدودية الردع الإسرائيلي، وظهرت هشاشة المنظومة الاستخباراتية التي طالما بُنيت عليها أسطورة “الدولة التي لا تُقهر”.
أما المقاومة، فقد نجحت – رغم الخسائر – في إعادة تعريف نفسها أمام العالم: لم تعد مجرد فصيل محاصر، بل فاعل استراتيجي فرض نفسه على طاولة الصراع، وأجبر الخصوم والحلفاء على إعادة حساباتهم.

وفي الجانب السياسي، شهدت المنطقة اصطفافات جديدة، وأعادت بعض الدول تقييم علاقاتها وتحالفاتها في ضوء الحدث، بينما ازداد الوعي الشعبي العربي والعالمي بأن الصراع لم يكن يومًا حول حدودٍ فحسب، بل حول العدالة والكرامة وحق الشعوب في تقرير مصيرها.

بين الألم والأمل

رغم المآسي التي خلفها السابع من أكتوبر، يبقى ذلك اليوم شاهدًا على أن إرادة المقاومة لا تموت، وأن الشعوب – مهما طال ليلها – قادرة على أن تُحدث فرقًا في مجرى التاريخ.
لقد شكّل اليوم لحظة وعيٍ كبرى، تذكّر الجميع بأن القوة لا تصنع الأمن، وأن الظلم مهما تجبّر، لا بد أن يُواجه بيقظة الشعوب وإصرارها.

 

واخيرا سيظل السابع من أكتوبر يومًا لا كسائر الأيام — يومًا حفر اسمه في ذاكرة الأمة، بين الألم والبطولة، بين الدم والكرامة.
إنه يوم يعيدنا إلى سؤال المصير:
إلى أين تتجه البوصلة؟
هل إلى سلامٍ عادلٍ وشامل؟ أم إلى جولاتٍ جديدة من الدم والعناد؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى