آراء

الفاشر.. مدينة تبكي أبناءها: حين تصبح الأم درعاً أمام رصاص الموت /بقلم أحمد العالم

في مدينة الفاشر، التي كانت يوماً تضج بالحياة وتغفو على أحلام البسطاء، تحوّل صوت الأطفال إلى صدى صرخات، ورائحة الخبز إلى دخان بارود. هناك، وسط هذا الخراب الممتد، وقفت أمٌّ سودانية بكل ما في الأمومة من ضعفٍ وقوة، تحاول أن تحمي أبناءها من رصاصٍ لا يفرّق بين كبير وصغير، ولا يعرف معنى الرحمة.

لم تكن تدري أن الذين أمامها ليسوا بشرًا عاديين، بل جنود الموت الذين لا يعرفون سوى لغة النار. حاولت أن تتوسل إليهم، أن تذكّرهم بإنسانيتهم، أن تزرع لحظة من الرحمة في قلوبٍ قاحلة، لكن الرصاص كان أسرع من رجائها.
أطلقوا الطلقات في الأرض لإرهابها، ثم صوبوها نحو صدرها وصدر أطفالها. ارتقت شهيدة وهي تحتضن أبناءها، كأنها أرادت أن تموت واقفة، وأن تظل درعًا لهم حتى آخر لحظة.

تلك الحادثة ليست الأولى في دارفور، لكنها تلخص المأساة كلها. أمٌّ تواجه الموت باسم الحياة، ومدينة تواجه الفناء باسم البقاء.
كل مشهد في الفاشر اليوم يروي حكايةً عن ظلمٍ تجاوز حدود الوصف، وعن معاناةٍ لم تعد تُقاس بعدد الجرحى أو الشهداء، بل بحجم الصمت الذي يلف العالم تجاه ما يحدث هناك.

لقد تحوّلت دارفور إلى مرآةٍ تعكس فشل الإنسانية في أبسط امتحاناتها. أين المجتمع الدولي من هذا الدم المسفوح؟ أين المنظمات التي تتحدث عن العدالة والكرامة؟
بينما تنشغل المؤتمرات بالكلمات والبيانات، تُدفن الأمهات في الفاشر بصمتٍ موجع، ويمشي الأطفال حفاةً فوق رماد بيوتهم.

رحلت تلك الأم، لكن صورتها تبقى خالدة، تذكّرنا بأن في قلب كل مأساة شعلة نور، وأن الشهادة ليست فقط موتًا في سبيل الله، بل أيضًا حياة خالدة في ذاكرة الوطن.
سلامٌ على أمٍّ سودانية جعلت من جسدها جدارًا يحتمي به صغارها، وسلامٌ على كل من يسقط دفاعًا عن الكرامة في زمنٍ صار فيه الإنسان أرخص من الرصاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى