آراء

مقال تحليلي/ بقلم أحمد العالم: الغزواني في جيكني.. خطابٌ يرفع سقف الحرب على الفساد ويكشف معالم المرحلة السياسية المقبلة

في خطاب حمل رسائل واضحة وذات دلالات سياسية عميقة، شدّد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، خلال لقائه أبناء مدينة جيكني بالحوض الشرقي ليلة الخميس/الجمعة، على أن معركة الدولة ضد الفساد باتت خيارًا لا عودة عنه، مؤكدًا أن كل من يتورط في أي ممارسة مشبوهة سيخضع للمحاسبة «دون استثناء»، مهما كانت مكانته أو علاقاته أو امتداداته الاجتماعية.

رسالة مباشرة: لا حصانة اجتماعية ولا سياسية

كان لافتًا في حديث الرئيس تأكيده الصريح على أن العلاقات الشخصية والقرابة والروابط الاجتماعية لن تكون شفيعًا لأي متهم، وهي رسالة تُقرأ على نطاق واسع باعتبارها خطوة نحو تفكيك منظومة الحماية التقليدية التي كثيرًا ما أحاطت بالنافذين، ووقفت عقبة أمام جهود الإصلاح.

هذا التصريح – في منطقة تعتبر من أهم معاقل الثقل الانتخابي – يؤشر إلى رغبة في طمأنة المواطنين بأن القانون فوق الجميع، وفي الوقت ذاته توجيه إنذار إلى المسؤولين داخل مؤسسات الدولة بأن زمن التساهل انتهى.

الربط بين التنمية والحوكمة: معادلة المرحلة

حين قال الرئيس: «لا تنمية ولا عدالة مع الفساد»، بدا وكأنه يحدد المعادلة التي ستبني عليها حكومته برامجها المقبلة. فمكافحة الفساد لم تُطرَح فقط كشعار سياسي، بل كشرط بنيوي لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق وتعزيز فعالية المؤسسات.

ويأتي هذا الطرح في وقت تواجه فيه البلاد تحديات مركبة تتعلق بتفاوت الخدمات، والبطالة، وضعف مردودية بعض القطاعات العمومية. وبالتالي فإن ربط التنمية بالحوكمة يشكل تحولًا في الخطاب الرسمي نحو معالجة جذور الخلل، بدل الاكتفاء بالحلول السطحية.

دعوة إلى تعبئة وطنية شاملة

لم يكتفِ غزواني بإعلان الموقف الرسمي، بل وسّع دائرة المسؤولية لتشمل المواطنين والنخب والمجتمع المدني والمؤثرين، معتبرًا أن محاربة الفساد ليست مجرد مهمة حكومية، بل مسار مجتمعي تتقاطع فيه الرقابة الشعبية مع الإرادة السياسية.

هذه الدعوة تعكس إدراكًا بأن نجاح إصلاحات الحوكمة يتطلب تحولًا في الثقافة العامة، وتفعيلًا لدور الإعلام، وحماية المبلغين، وتشجيع النقد الموضوعي، وهي أدوات لم تكن دائمًا حاضرة بالفعالية المطلوبة.

قراءة سياسية.. هل بدأ الغزواني صفحة جديدة؟

يرى مراقبون أن خطاب جيكني يتجاوز كونه تصريحًا عابرًا، ليصبح جزءًا من إعادة ضبط المشهد السياسي في ظل اتساع مطالب الشفافية، وارتفاع مستوى الاحتقان في بعض الملفات، وتنامي النقاش حول أداء المؤسسات الرقابية.

كما يأتي الخطاب في توقيت حساس، وسط حديث متكرر عن ملفات فساد قيد التحقيق، وعن إعادة تقييم أداء بعض القطاعات، ما يجعل تصريح الرئيس بمثابة رسالة داخلية للنظام قبل أن يكون رسالة للرأي العام.

 

خطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في جيكني يبدو بمثابة خارطة طريق جديدة في ملف محاربة الفساد، يعتمد على الصرامة في المحاسبة، وتجديد العقد الأخلاقي بين الدولة والمجتمع، وتوسيع دائرة المسؤولية لتشمل الجميع.

وإذا ما تم تفعيل ما جاء فيه على أرض الواقع، فإن البلاد قد تدخل مرحلة تعزيز الثقة بالمؤسسات ورفع مستوى الشفافية، وهو ما يشكل حجر الأساس لأي مشروع تنموي حقيقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى