الاقتصاد العالمي ومصادرة الأرصدة… بقلم/ الفنان السوري فريد حسن

قبل قرابة النصف قرن، عندما كنتُ أُدرِّسُ مادة الاقتصاد في ثانويات حلب، كنت أتحدث إلى طلابي عن اقتصاد الخليج العربي، وعن كمية الأموال التي تُودَع في البنوك الغربية، والبعض الكثير يودعها بدون فوائد خوفاً من الحرمانية.
كنت أتصور ضخامة تلك الأموال التي تتراكم تراكم كرة الثلج، وكنت أتساءل وأفكر بصوت عالٍ مع طلابي:
ماذا لو حصل أمرٌ ما استدعى من هذه الدول طلب كل أموالها، لسبب سياسي، أو بسبب الدخول في أحلاف، أو لسبب عسكري (حروب مثلاً)؟
كنت أتوقع – وما زلت – أن هناك استحالة في سحب هذه الأموال جميعها أو قسماً كبيراً منها.
كنت أشبّه دول النفط برجل يُدعى (مبروك)، كان يقف على موقف باص ساحة باب الحديد في حلب حيث كنت أسكن يومئذ.
كان الرجل يلبس ثوباً من القماش المخطط، وكان ثوبه بدون جيوب، ولا أعرف لماذا خاطه من تصدق به عليه بدون جيوب.
كان الناس يتصدقون عليه؛ هذا بقطعة من ذات الخمسة قروش، وذاك بقطعة من فئة العشرة.
ولفت نظري عدم وجود جيوب عنده، فقلت في نفسي: أين يضع هذا المسكين ما يجمعه من قطع نحاسية نقدية وهو ليس لديه جيوب؟
تأخرت عن ركوب أول حافلة قَدِمَت، فقط لأراقبه عن بُعد.
وعندما تجمع كمٌّ من المال بيده، وجدته يتجه نحو شق في غطاء الحديدة الثقيلة التي تغطي مجاري الصرف الصحي، ويضع تلك النقود واحدة تلو الأخرى.
وقفت بالقرب منه أسأله: ماذا تفعل؟
ولم يكن يتوقع مني أني أراقبه، لذلك شهق خائفاً مرتبكاً، ورجاني أن لا أفشي سره لأحد قائلاً:
أرجوك لا تخبر أحداً بمكان (مطمورتي)، يقصد حصالته التي يخبئ فيها نقوده!
وكان يقصد بها الشق الموجود في غطاء المصارف الصحية، والذي تنزل نقوده إلى المجاري الصحية لتستقر هناك، وإلى الأبد، وإلى اللا رجعة!
كنت أقول لطلابي إن مثل حكام الخليج هو مثل هذا المبروك الذي يعتقد أن نقوده في مأمن.
لقد حصلت هزات بسيطة أكدت لي صحة فرضيتي؛
فالحجز على الأموال الإيرانية لأسباب سياسية، وما حاولت فعله الدول الأوروبية بالأرصدة الروسية في البنوك الأوروبية منذ أيام، هو مثال لما قصدت وفكرت فيه منذ نصف قرن.
وما سيحدث في يوم قريب بين الصين وأميركا، حيث تبلغ ديون الصين على أميركا 760 مليار، وإذا أضفنا ديون اليابان وأوروبا وأموال الخليج… إلخ، والتي تبلغ تريليونات كثيرة، يصعب عملياً التفكير في دفعها.
وسأتحدث في الخاطرة القادمة عن محاولة الاتحاد الأوروبي مصادرة الأرصدة الروسية، كعمل يتطابق أو يشبه عمل الرجل مبروك الذي كان يخبئ نقوده في شق غطاء المجاري الصحية.
وأتمنى أن تكون نظرتي إلى إيداع رؤوس الأموال في البنوك بهذه الكميات الهائلة نظرة خاطئة،
وأن لا تكون سبباً في انهيار عملة اليورو أو الدولار بسبب قرصنة بعض الجهات وتجاوز أصول التعاملات البنكية!
وإلى اللقاء في الخاطرة القادمة بإذن الله.
دمتم
لفنانكم الباحث في التربية وعلم النفس الاجتماعي
فريد حسن



