السنغال.. خلافات عميقة تهزّ تحالف فاي–سونكو: قراءة في مستقبل السلطة والمشروع الوطني… بقلم/ أحمد العالم

تشهد الساحة السياسية السنغالية واحدة من أكثر لحظاتها تعقيدًا منذ عقود، حيث تبرز بوادر شرخ سياسي داخل البيت الواحد الذي أتى بالرئيس بشير جوماي فاي إلى الحكم، بعد تحالف تاريخي بينه وبين زعيم حركة باستيف عثمان سونكو. غير أن التطورات المتلاحقة توحي بأن الخلاف بين الرجلين أعمق من كونه صراعًا على الأدوار أو المكانة؛ فهو صراع حول جوهر المشروع السياسي، وحول مستقبل السنغال في معادلات النفوذ الإقليمي والدولي.
1 — من التحالف الثوري إلى تباعد الرؤى: أين انقلب المسار؟
عندما تنازل عثمان سونكو عن الترشح ووافق على دعم جوماي فاي كمرشح لحركة باستيف، بدا الأمر امتدادًا لمنهجية تشاركية داخل الحركة التي أسسها شباب آمنوا بقطيعة كاملة مع المنظومة القديمة، وبالخروج من دائرة النفوذ الفرنسي.
لكن ما إن تولّى فاي السلطة حتى بدا واضحًا ـ وفق مراقبين ـ أنه يتجه إلى مراجعة أسس المشروع الأصلي الذي حملته الحركة. فقد انحاز إلى إبقاء السنغال ضمن محيطها التقليدي في «الإيكواس»، وابتعد عن خطاب الانفصال السياسي والاقتصادي عن فرنسا، الذي كان يمثل حجر الزاوية في مشروع باستيف.
زيارات الرئيس المتكررة إلى باريس وجواره الإقليمي أرسلت، في نظر كثيرين، رسائل حول إعادة تموضع سياسي يتناقض مع خطاب الحركة خلال سنوات المعارضة. في المقابل، واصل عثمان سونكو الدفاع عن مشروع «التحرر الإقليمي»، والدعوة إلى مراجعة العقود مع الشركات الأجنبية وتغيير العملة وربط السنغال بفضاء إفريقي مستقل اقتصاديًا وسياسيًا.
2 — هاجس الولاية الثانية: صعود مشروع سياسي موازٍ
تشير معطيات عديدة إلى وجود اتفاق غير معلن بين الرجلين يقضي بأن تكون رئاسة فاي لولاية واحدة، تمهيدًا لفتح الباب أمام سونكو الذي حرم من الترشح بقرار قضائي. لكن الأحداث الأخيرة توحي بأن الرئيس بصدد إعادة بناء قاعدة سياسية مستقلة عن باستيف، عبر تحالف جديد موجَّه للانتخابات المقبلة.
هذا التوجه يراه أنصار سونكو محاولة لتفكيك الحركة واستمالة جزء من قواعدها، وفتح الطريق أمام ولاية ثانية لفاي بدعم خارجي. وهو ما يعمّق شعورًا عامًا داخل الشارع بأنّ التحالف الذي صنع «التغيير التاريخي» سنة 2024 يتحوّل تدريجيًا إلى مشهد من الانقسام والتجاذب.
3 — الملفات القضائية: السكون الذي يزيد التوتر
أحد أعقد الملفات التي فجّرت التوتر بين الرجلين يتعلق باستمرار القضايا القضائية الموجهة ضد عثمان سونكو، والتي لعبت دورًا رئيسيًا في إقصائه من السباق الرئاسي السابق.
ففي الوقت الذي يملك فيه الرئيس هامشًا للتخفيف من التوتر السياسي عبر الدفع نحو مصالحة وطنية أو مراجعة بعض الملفات المثيرة للجدل، فإنه اختار ـ حتى الآن ـ الصمت. هذا الصمت يُقرأ داخل أوساط باستيف باعتباره قبولًا ضمنيًا ببقاء سونكو خارج دائرة الترشح، ما يعزز الشعور بأن السلطة تسعى لإعادة تشكيل المشهد بعيدًا عن رفيق الأمس.
4 — بين محاسبة الماضي وتوازنات الحاضر
كان ملف محاسبة نظام ماكي صال أحد أبرز وعود سونكو وفاي على حدّ سواء. لكن بعد الوصول إلى السلطة، بدا أن الزخم الذي كان يرافق خطاب المحاسبة قد تراجع، خصوصًا بعد قرارات قضائية مثيرة للجدل، مثل إطلاق سراح محمد صال، شقيق الرئيس السابق.
هذا التراجع أضعف ثقة جزء من القواعد الشعبية التي كانت ترى في مشروع باستيف ثورة سياسية وأخلاقية تتجاوز حدود التغيير الانتخابي، وتؤسس لقطيعة مع النظام السابق.
5 — سونكو وكازامانس: خطر سياسي يتحول إلى تهديد وحدوي
يكتسب عثمان سونكو خصوصية داخل المشهد السنغالي لكونه ابن إقليم كازامانس الذي عرف لعقود مطالب انفصالية وصراعات مسلحة. ولذلك، فإن استمرار استبعاده من الحياة السياسية قد يتحول، وفق محللين، إلى عامل حساس للأمن الوطني.
خشية بعض الدوائر الأمنية تتمثل في أن تجد الحركات الانفصالية في الوضع الحالي مبررًا سياسيًا للقول إن الدولة تُقصي ابن الإقليم من حقه الدستوري، وهو ما قد يعيد تنشيط نزعات الانفصال ويهدد وحدة السنغال بواحد من أخطر تحدياتها منذ الاستقلال.
6 — أي طريق أمام السنغال؟
ليس الخلاف بين فاي وسونكو خلافًا بين رجلين؛ بل هو خلاف بين مشروعين:
مشروع يسعى إلى إعادة التموضع داخل النظام الإقليمي التقليدي (الإيكواس – فرنسا – الشراكات الغربية).
ومشروع يدفع نحو تحول جذري ينشد استقلالًا اقتصاديًا وسياسيًا، ويبحث عن فضاءات تحالف جديدة في غرب أفريقيا، خاصة مع محور الدول المنسحبة من الإيكواس.
مستقبل السنغال، بكل تعقيداته، يتوقف على قدرة النخبة السياسية على تجنب انقسام تاريخي، وعلى بناء صيغة تضمن المشاركة السياسية لجميع الفاعلين، وفي مقدمتهم عثمان سونكو الذي يمثل، بالنسبة لقطاع عريض من الشباب، رمزًا للتحول العميق وليس مجرد منافس سياسي.




