الكاتب الصحفي احمد العالم –سوريا ساحة لولادة نظام عالمي جديد
تُعتبر سوريا منذ سنوات ساحةً لتقلبات سياسية وعسكرية عميقة، تتحكم فيها القوى الإقليمية والدولية، ما جعل منها نموذجًا حيًا لتجليات النظام العالمي الجديد. تجسد الأحداث في سوريا الصراعات المتنوعة التي تتداخل فيها المصالح الوطنية والدولية، مما يعكس كيفية تغير معالم النظام الدولي.
انطلقت الأزمة السورية في عام 2011، كجزء من موجة الربيع العربي، إلا أن العراقيل سرعان ما أدت إلى تحولها إلى نزاع مسلح شامل. تنوعت الأطراف المتورطة في الحرب، حيث تدخلت الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، روسيا، وإيران، إضافةً إلى قوى إقليمية كتركيا. هذه الحروب بالوكالة تجسد كيف أصبح الصراع السوري ساحة لتصفية الحسابات بين القوى العظمى، مما يتيح إعادة تشكيل معالم النظام العالمي.
الإنسانية تتراجع في معركة المصالح
تسببت الحرب في مأساة إنسانية، حيث أدى النزاع إلى نزوح الملايين إلى الدول المجاورة وتفشي الفقر والمرض. تعتبر هذه الوضعية دليلاً على أن المصالح السياسية غالبًا ما تتفوق على الاعتبارات الإنسانية. تراجع دور المنظمات الدولية في حل النزاع يعكس عجز النظام العالمي القائم عن التعامل مع الأزمات الإنسانية، مما يثير تساؤلات حول فاعليته.
على الرغم من المعاناة، إلا أن النزاع أدى أيضًا إلى ظهور قوى جديدة على الساحة السورية، مثل القوات الكردية، التي أصبحت تحتل مكانة محورية في المعادلة السياسية. يبرز هذا التطور كيف أن النظام العالمي الجديد يسمح بظهور جهات غير حكومية تؤثر في السياسة الدولية.
التوازنات الجديدة ودروس مستفادة
تشير الأحداث في سوريا إلى إعادة تشكيل التحالفات التقليدية، حيث تتجه الأنظار نحو قوى جديدة مثل الصين وروسيا، التي تسعى إلى تعزيز نفوذها. يشير العديد من الخبراء إلى أن النظام العالمي في طريقه نحو تعددية قطبية جديدة، حيث لم تعد الولايات المتحدة لاعبًا وحيدًا، بل باتت تواجه تحديات من قوى جديدة.
سوريا اليوم ليست مجرد ساحة حرب أو أزمات إنسانية، بل هي أيضًا مختبر لصياغة نظام عالمي جديد يتسم بمزيد من التعقيد. تحتاج القوى العالمية إلى مراجعة استراتيجياتها والتفكير بجدية حول كيفية التعامل مع الأزمات بطريقة تعزز الأمن والسلام، بدلًا من صب الزيت على نار الصراعات المستمرة.
تمثل الأزمة السورية مثالا واضحاً على كيفية تأثير النزاعات الإقليمية في تشكيل سياسات عالمية، وتجعلنا نتساءل: ماذا ينتظر العالم في المستقبل؟ هل سنشهد تحسناً في الأوضاع الإنسانية والتحول نحو عالم أكثر استقرارًا؟ السؤال مفتوح، والإجابة تكمن في خطوات الدول الكبرى الأن، وفي كيف ستتعامل مع تحديات جديدة تنبثق من الفوضى الحالية.