الإعلامي محمد محمود بكار يكتب: هل نحن بصدد فقدان موريتانيا؟
لم يبق لنا سوى اسم موريتانيا التي أيضا ليست فاعلة ولا قوية. لقد تم تجريدنا من كل الأمور الأخرى المرتبطة بثقافتنا وتراثنا وماضينا وحتى حاضرنا. ثقافتنا سجلتها دول باسمها فها هي الجزائر تسجل الملحفة باسمها بعد أن سجلت المغرب الدراعة باسمها والمرابطين وأزوان وكل شيء فما هو مدلول موريتانيا، كلمة أو وطنا، صحيح أنه تم يوم أمس تسجيل ملحمة “اتهيدينت” صمبا گالدو على اللائحة التمثيلية للينوسكو كتراث للإنسانية مثل المحظرة قبل أن تفعلها السينغال التي تعتبر التاريخ المكتنف لهذه الملحمة في فوتا تور تاريخا وطنيا لها.
إنه بلد معرض للزوال مثل ما وقع ل “زنجبار ” تانزانيا سابقا ، حيث لم تعد هناك ثوابت ولا تاريخ ولا تضحيات ولا قيم مشتركة لقد تم القضاء على المرجعيات الكبيرة في الذاكرة الجمعية على درب التاريخ، وهكذا يتم تجاهل ماضينا وأمجادنا وتجلياتنا المضيئة وإضافاتنا الكبيرة للبشرية وتضحيات أجدادنا الجسام والنظام الاجتماعي ورموزه التي ساهمت في تمييزنا عن باقي الشعوب وقوتنا التي ظلت تحمي هذه الارض القرون على القرون . نحن نعيش في فوضى لا نهاية لها لا تنظيم للأساسيات ولا إطارا وطنيا جامعا بل رؤية قاصرة لكل أمورنا. لقد انفرط عقد شبه الإجماع الوطني وصرنا نسير في الفراغ بلا ماض ولا حاضر ولا مستقبل ليس لأن ذلك غير موجود بل لأنه لا يوجد من يعترف به كذات فعلية للتساوق أو كمرجعيّة للقرارات والسياسات الوطنية الاجتماعية والسياسية والثقافية . كل الأمور تجري في ذلك السياق :تصريف الأحوال والأمور الجارية كيفما اتفق خلافاتنا لا تذوب في الدولة، دولتنا ليست صاحبة حق وليست القوة العمومية التي تحمينا وتسوي خلافاتنا في ضوء المصلحة العليا وفي ضوء قراءة التاريخ والمآلات والتجليات الكبرى لمجتمعنا إنها تقف على الحياد في الكثير من القضايا ذات البعد أو التصنيف الوطني . منذ تأثير المرابطين والشناقطة والتيجانية خارج حدودنا توقف دورنا الريادي ، وحدها القادرية حافظت لنا على بعد إقليمي وعلى محجة مرتين في السنة من السينغال اتجاه النمجاط، وحافظت على قيادة لذلك التوجه كان يتوجب على الدولة أن تكون نظرتها للموضوع من بعده الوطني وتوكيده ومنعه من التشرذم والخلاف وفي تجلياته الوطنية وليس في بعده الأسري ،البعد الأسري يقزم الموضوع ولا يمنحه أيّ صبغة أو بعد وطني ضمن عملية التأثير الثقافي والإشعاع الديني ،إن السينغال ترعى نفس عملية التثاقف الدينية إنها ترعى الحركات الصوفية خاصة التيجانية وترعى التوافق خلالها ، فالدولة لابد أن تظل لها اليد الطولى والقدرة على تحديد المصلحة وتوحيد الاتجاهات وتحديد الأحقية. وهكذا في النزاعات يجب أن يكون الحق مع من رأت الدولة أن معه الحق وليس من يعتبر نفسه محقا المسألة ليست خلافا أسريا تقف فيه الدولة على جنب. المسألة تتعلق بمحجة وطنية وبدور إشعاعي على الدولة أن تمنع تمييعها وتحميها في مكمن القوة الوحدة التي عليها أن تفرضها وتقرّها ، القضايا المهمة ليست شخصية بالأساس بل تسيّر وطنيا وفق رؤية الدولة صاحبة الفهم العميق لقضايا المجتمع .في السينغال والجزائر والمغرب …. الصوفية ضمن التراث الديني الوطني الذي تتم العناية به وحمايته وترقيته رسميا ومراقبته بسبب بعده الوطني والإقليمي لا يوجد أي دور ولا تأثير لدولتنا في توجيه الاتجاهات العامة وضبط الاتجاهات الرامية للتمايز ..
الأمور الجوهرية كلها خارج السياق الحالي لتسيير البلد لايوجد معنى أعمق مما يراه الأشخاص في فردانيتهم ونوازعهم ورغباتهم لقضايا البلد ، يتم تداوله في أوساط القرار والتسيير ، ولاتوجد مشاريع عملاقة تعمق شرعيتنا على هذه الأرض التي حماها أسلافنا عشرة قرون من الزمن وتحمي وجودنا وتجلياتنا المضيئة وانسجامنا حول البلد ولا يوجد تفكير منهجي ولا تخطيط للمستقبل .كل الدول من حولنا تطورت وتقدمت وتتنافس علينا على تراثنا وعلى مواردنا ونحن نسيّر الشَّحناء القبلية ونتنافس على المسافة من الرئيس الذي يعني الكرسي وعلى تدمير الدولة ،ونفكر في الهروب عنها .
الغالبية من المحظوظين يعملون وفق شعار خذ خيرها ولا تجعلها وطنا.
لقد كانت النكتة المنسوبة لأجنبي كان يعمل في إحدى السفارات الغربية في انواكشوط في جلسة مع بعض الأصدقاء أنه سألهم ماهي أقوى دولة في العالم وكان الجواب بديهي ومعروف طبعا الولايات المتحدة الدولة التي تسيطر على البحار وعلى الأجواء وعلى مداخل ومخارج البحور وعلى الاقتصاد والسياسية الدوليين فقال لهم لا ،فقالوا وماهي إذن قال موريتانيا فقد كانوا أمام جواب غير جدي من ديبلوماسي متمرس أثار أطلاق ضحكة استهزاء جماعية كان لا يمكن كبحها إلا بالسؤال وكيف “قال الدولة الوحيدة التي يعمل مواطنوها على تدميرها كل يوم من الصباح إلى المساء منذ استقلالها إلى اليوم ومع ذلك ما تزال واقفة هي الدولة القوية ،لقد أعطى جوابا قويا لسؤاله الغريب مسلطا الضوء علينا وعلى تجربتنا الوطنية “.يبدو أن السيد كان في ذهنه فقط الاقتصاد الموارد والمداخيل والمشاريع وغيرها لكن لم يكن في ذهنه التنازل عن التاريخ وعن التراث وعن القيم المشتركة وعن المحظيات لقد أذهل الجميع بسؤاله العميق الساخر لكنه اعطى شهادة خبيثة وحقيقة عن بلد له نخبته ونظامه ووطنيوه .
ومع أن هذه القصة كانت في زمن معاوية الذي وقعت ثلاث انقلابات لتصحيح الوضعية بعده أو لنقل انقلابان وتناوب فهل تشعرون بأن النكتة ماتزال بنفس قوة الدلالة .
اللهم “إني مغلوب فانتصر “.
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار