آراء

الرأي العام والتفاهة الرسمية… حين تروّج الدولة للسطحية وللإنحلال والسفور …بقلم / أحمد العالم

في بلد يزخر بالتاريخ، ويُعدّ منارات للعلم والقرآن، وحاضنة لحرف الشعر ومكارم الأخلاق، تتجه الدولة – عبر بوابة وزاراتها – نحو موجة مقلقة من “شرعنة التفاهة” باسم الترويج للسياحة والانفتاح على الشباب.

إن موريتانيا، التي كانت صورتها في الوعي الجمعي رمزًا للعلم والوقار، تُعاد صياغتها اليوم على يد محتوى راقص، ضحل، لا يمتّ لا لتراثها ولا لهويتها بصلة. والمفارقة الصادمة أن وزارة السياحة، بدلًا من أن تحتضن المبدعين الحقيقيين – من علماء، مؤرخين، أدباء، ومصورين – اختارت أن تُسند مشروعها الترويجي لأسماء اشتهرت بالإثارة والسطحية.

الخطير في الأمر ليس فقط في الترويج للمحتوى الهابط، بل في منح الاعتراف الرسمي له. اللقاءات التي تنظمها وزارة الشباب مع صانعي محتوى لا يقدمون أي قيمة معرفية أو أخلاقية، هي محاولة لصناعة “نجومية زائفة” تقوم على معايير لا تشبه ثقافة المجتمع ولا تليق بتاريخ بلد حمل لقب “بلد المليون شاعر”.

هل يعقل أن تصبح صورة البلاد في الداخل والخارج مجموعة فيديوهات رقص وتصنع مثير على حساب هوية عمرها قرون؟ أين الرموز الحقيقية التي يمكن أن تكون جسورًا للسياحة المستدامة؟ وأين المعايير الأخلاقية والثقافية في اختيار من يمثل الوطن؟

هذا التوجه لا يُعبّر عن انفتاح صحي، بل عن تفريط مؤسسي في القيمة. بل هو دعوة ضمنية تقول لشبابنا: “لن تُحترم حتى تتنازل عن عمقك وتتماهى مع السخافة.”

التسويق للوطن لا يعني بيع هيبته، ولا يعني أن نروج له بأي ثمن، حتى ولو كان ذلك على حساب ما يجعله عظيمًا.
موريتانيا تستحق من يمثلها بوقارها، علمها، ورموزها، لا بمنصات تُؤسس للفراغ.

والسؤال الذي يفرض نفسه:
هل أصبحنا نحتاج إلى صدمة أخلاقية حتى نستفيق، أم أن هذا التراجع مخطط له ويجري تمريره بخفة ودون مقاومة؟
الأمة التي تنسى رموزها، ترفع التافهين.
والتافهون، لا يصنعون مجدًا، بل يُفقدون الوطن مهابته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى