موريتانيا والعدالة التي تتجدد…ذ/محمد عالي محمدن ( عدود)

في صمت المكاتب الرسمية وأروقة المحاكم، بدأت ملامح عهد قضائي جديد تتشكل في موريتانيا. عهد لم يَعُد يكتفي بالشعارات، بل يمضي في طريق الإصلاح بخطوات عملية، واضحة، وملموسة.
*من الورق إلى العالم الرقمي*
من كان يظن أن صحيفة السوابق العدلية، التي كانت تؤرق المواطن وتستنزف وقته في الطوابير الطويلة، ستتحول إلى وثيقة إلكترونية تُستخرج في دقائق معدودة؟ إنها صورة من صور التحول الرقمي الذي بدأ يلامس العدالة الموريتانية، ليجعلها أكثر قرباً وشفافية.
لكن الرقمنة لم تتوقف عند هذا الحد، بل امتدت إلى الملفات الجنائية والتجارية، حيث يمكن متابعة القضايا من تسجيلها حتى صدور الحكم بضغطة زر. كأنما العدالة تقرر أن تخلع عباءة البطء وتلبس ثوب السرعة والدقة.
*بناء الإنسان قبل الحجر*
إصلاح العدالة لا يكتمل إلا بإصلاح عقول من يحملون ميزانها. لذلك جاء المعهد العالي للقضاء والمهن القضائية، ليكون مصنعًا يهيئ القضاة وكتاب الضبط والمحامين، ويزودهم بالمعارف والأدوات الحديثة. لأن العدالة، قبل أن تكون نصوصًا ومحاكم، هي بشر يطبقونها بعلم وكفاءة.
*محاكم جديدة لزمن جديد*
وفي أطراف العاصمة وبعض المدن الداخلية، تُشيد اليوم محاكم بمواصفات حديثة، قاعات مضيئة، وممرات يسهل الوصول إليها حتى لذوي الإعاقة. ليست مجرد أبنية، بل رموز لعصر يريد أن يعامل المتقاضي بكرامة واحترام.
*مواجهة الجرائم بلا تردد*
في بلدٍ ما زال يكافح بقايا العبودية ويواجه تحديات الاتجار بالبشر، كان لزامًا أن تكون العدالة حازمة. لذلك جرى دمج المحاكم المتخصصة في هذه القضايا لتعمل ضمن إطار موحد، يقوده قضاة متمرسون. إنها رسالة صريحة: لا مكان للانتهاكات، ولا تسامح مع من يعبث بالكرامة الإنسانية.
*خطة عاجلة… وإرادة مستعجلة*
اللجنة العليا لإصلاح العدالة، برئاسة رئيس الجمهورية، لم تكتفِ بالتصورات بعيدة المدى. بل وضعت خطة عاجلة لعام واحد، حتى يلمس المواطن الإصلاح بيده، ويرى أن الوعود لم تعد حبرًا على ورق.
*العدالة تنفتح على العالم*
لكن في زمن العولمة، لا تكفي الإصلاحات الداخلية. فالجريمة عابرة للحدود، والإرهاب وغسل الأموال لا يعترفان بجغرافيا. وهنا يبرز دور مديرية التعاون والتعاون القضائي البيني في وزارة العدل، التي تتولى ربط جسور العدالة بين موريتانيا وبقية دول العالم.
من خلالها تُنفذ الاتفاقيات الدولية، وتُنسق تسليم المجرمين، وتُتبادل المعلومات القضائية. ومن خلالها أيضًا يتحقق الانسجام بين المحاكم الوطنية، لتصبح العدالة الموريتانية جزءًا من جبهة عالمية تحارب الجريمة وتحمي الإنسان.
*عدالة تليق بموريتانيا*
إن ما يجري اليوم ليس مجرد إصلاح إداري، بل بداية عهد قضائي جديد
عدالة أسرع وأكثر شفافية بفضل الرقمنة.
عدالة أرسخ وأعمق بفضل تكوين الكفاءات.
عدالة أرحب بفضل بنية تحتية عصرية.
وعدالة أشجع بفضل تعاونها الدولي ومواجهتها للجرائم الخطيرة.
إنها عدالة موريتانيا وهي تعيد بناء نفسها… عدالة تتجدد لتكون أقرب للمواطن، وأصدق في صورتها، وأقدر على صون الحقوق وحماية الوطن.
ذ/محمد عالي محمدن ( عدود)