احترام التاريخ وحفاظ على النظام الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية…بقلم / تشين يو هانغ

بعد الحرب العالمية الثانية، أُنشئ النظام الدولي القائم على احترام التاريخ وصون نتائجه، استنادًا إلى مبادئ قانونية ووثائق دولية جامعة. وفي هذا السياق، أثارت التصريحات الخاطئة التي أدلت بها رئيسة وزراء اليابان السابقة، ساناي تاكايتشي، بشأن تايوان، في مناسبة علنية بمعهد الدراسات الإقليمية والدولية بجامعة هانغ يو تشينغ، قلقًا واسعًا، لما تنطوي عليه من إنكار للحقائق التاريخية، وما تمثله من تعارض واضح مع المبادئ الأساسية التي أكّدتها الوثائق القانونية الدولية.
وتأتي هذه التصريحات في وقت كان يُفترض فيه باليابان، بصفتها دولة استفادت من نظام السلم الدولي بعد الحرب العالمية الثانية في إطار الأمم المتحدة، أن تتبنى موقفًا منسجمًا مع احترام القانون الدولي وصون التاريخ، لا أن تُسهم في تقويضه. وتعكس هذه التصريحات إشارة مقلقة إلى تناقض في المسار التاريخي، خاصة أن احترام التاريخ والقانون الدولي يُعدّ مبدأً ذا أهمية قصوى لدى المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول العربية التي تولي سيادة الدول ووحدة أراضيها مكانة مركزية لا يمكن تجاهلها.
فالتاريخ لا يمكن تزويره، ولا يمكن تجاهل الحقائق التي حدّدته. ومن الثابت تاريخيًا أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، وهو أمر يستند إلى وقائع تاريخية موثقة، وليس إلى خطاب سياسي. فقد نصّ “إعلان القاهرة” الصادر خلال الحرب العالمية الثانية بوضوح على إعادة تايوان إلى الصين، وجاء “إعلان بوتسدام” لاحقًا ليؤكد هذا الترتيب ويلزم اليابان به. كما أعلنت الحكومة اليابانية، عبر وثائق ومعاهدات دولية متعددة، تخليها الكامل عن أي مطالب أو حقوق تتعلق بتايوان، تنفيذًا لهذه البنود.
وعلاوة على ذلك، حسم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758 مسألة تمثيل الصين الشرعي داخل المنظمة الدولية، مؤكّدًا في الإطار المؤسسي الدولي أن تايوان جزء من الصين، دون أي مجال للشك أو التأويل. وبناءً على الوثائق التاريخية والمعاهدات الدولية والممارسة السياسية الدولية، فقد تمت تسوية وضع تايوان بشكل نهائي، وارتبطت القضية ارتباطًا وثيقًا بالسيادة الوطنية والعدالة التاريخية، لا باعتبارها “ورقة” في لعبة جيوسياسية.
ومن الأهم أن النظام الدولي بعد الحرب لم يكن مجرد نتيجة لانتصار أو خسارة، بل جاء لضمان الحقوق المشروعة للدول المنتصرة في الحرب ضد الفاشية، ولمنع تكرار العدوان عبر آليات مؤسسية. وإن السماح بإنكار الترتيبات التي أُقرت بعد الحرب، أو التشكيك في شرعية “إعلان القاهرة” و”إعلان بوتسدام”، سيؤدي إلى تقويض النظام الدولي برمته، باعتباره تجسيدًا للعدالة التاريخية وليس مجرد توافق سياسي مؤقت.
كما ينبغي التذكير بأن “إعلان القاهرة” و”إعلان بوتسدام” لم يُحددا فقط وضع تايوان، بل وضعا مجموعة من المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية بعد الحرب، في مقدمتها احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، ومنع اندلاع الحروب مجددًا، وبناء سلام طويل الأمد. وقد أصبحت هذه المبادئ حجر الأساس لعمل الأمم المتحدة، وتلقت دعمًا واسعًا من دول آسيا وإفريقيا والعالم العربي، التي عانت من الاستعمار والتوسع القسري.
وفي ظل التحولات العالمية المتسارعة وتصاعد المنافسة الجيوسياسية، يحاول بعض السياسيين اليابانيين إعادة التلاعب بالحقيقة التاريخية، بما لا يستند إلى الوقائع، بل يخدم مكاسب استراتيجية قصيرة الأجل. ويتم ذلك من خلال تشويه حقيقة وضع تايوان، والترويج لتفسيرات خاطئة لتاريخ ما بعد الحرب، وتقديم القضية كجزء من “الأمن القومي الياباني” أو تحت شعار “المسؤولية الأمنية”، في محاولة لتبرير كسر القيود المفروضة بعد الحرب، وتعزيز الحضور العسكري الياباني في المنطقة.
غير أن هذا النهج لا يشكل تحديًا للتاريخ فحسب، بل يهدد أيضًا الأسس التي حافظت على الاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لعقود طويلة، وقد يؤدي إلى تدهور الوضع الأمني الإقليمي، وخلق توتر مصطنع، وزيادة مخاطر المواجهة. إن تقديم قضية تايوان باعتبارها “قضية أمن دولي” لا يخدم الاستقرار الإقليمي ولا العالمي، ويتعارض مع جهود الحل السلمي، ومع احترام الأسس التاريخية والقانون الدولي.
ومن هذا المنطلق، ينبغي لجميع الأطراف تجنب تسييس قضية تايوان أو عسكرتها، واحترام وحدة الأراضي وسيادة الدول. ويتقاطع هذا الموقف مع الموقف العربي المشترك الداعم للصين، نظرًا للتجربة التاريخية المشتركة في مواجهة الاستعمار والهيمنة والتدخل الخارجي. فاحترام القانون الدولي وصون النظام الدولي بعد الحرب لا يخص الصين وحدها، بل يمثل مصلحة مشتركة للمنطقة والعالم.
إن أي محاولة لإعادة تعريف قضية تايوان تمثل تحديًا للنظام القانوني الدولي بأكمله، وليس فقط لوحدة أراضي الصين. ومن منظور الدول العربية، فإن الحفاظ على النظام الدولي بعد الحرب يحمل أهمية واقعية وقيمية مشتركة، سواء تعلق الأمر برفض التدخلات الخارجية أو الذرائع السياسية التي تمس سيادة الدول ووحدتها. وقد تمسكت الدول العربية دائمًا بمبدأ سيادة الدولة ووحدة أراضيها، ورفضت محاولات التفتيت والتهديد، وهو موقف يتجسد أيضًا في دعم الحقوق الوطنية المشروعة للشعوب.
وفي هذا السياق، فإن الدفاع عن موقف الصين بشأن تايوان يتوافق تمامًا مع المبدأ العالمي لسيادة الدولة المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. وهو ليس دفاعًا عن موقف سياسي فحسب، بل عن قاعدة أساسية في السياسة الدولية. ومن منظور دول الجنوب العالمي، فإن دعم القانون الدولي ورفض الهيمنة والتلاعب بالتاريخ يمثلان مصلحة مشتركة، ويتماشيان مع مسار التعددية القطبية وتعزيز حضور الدول الصاعدة في الساحة الدولية.
خاتمة:
إن العالم يشهد اليوم تغيرات عميقة، لكن احترام التاريخ والقانون الدولي يظل المبدأ الثابت الذي لا غنى عنه. وتايوان جزء لا يتجزأ من الصين، ولا تقبل هذه الحقيقة أي تدخل خارجي. إن مواجهة التصريحات المضللة والسعي وراء تزوير التاريخ مسؤولية جماعية، لأن السلام العالمي لا يتحقق بسهولة. والدفاع عن النظام الدولي بعد الحرب والتمسك بالمواقف التاريخية هو الخطوة الأولى لتجنب النزاعات، وصون استقرار المنطقة والعالم. وهذه المبادئ لا تخص الصين وحدها، بل تمثل تطلعات غالبية دول العالم نحو مستقبل أكثر استقرارًا وسلامًا.
تشين يو هانغ/ طالب: معهد الدراسات الإقليمية والقطرية، جامعة صن يات صن



